السمر بعد العشاء بين الكراهة و الاستحباب

0 519

السؤال

ورد في الحديث النبوي: (كان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها) أي صلاة العشاء؛ فمتى يبدأ النوم بعدها؛ هل بعد صلاة العشاء مباشرة، أم بعد الوتر -إن كان يعجله- وإن تمادى الوقت بعد صلاة العشاء؛ أم المعنى أن يصلي المرء صلاة يكون بها خاتمة يومه، فمما يشير إلى النوم بعد صلاة العشاء مباشرة، قول عائشة رضي الله عنها: (ما نام رسول الله* قبل العشاء* ولا سمر بعدها)؛ فهو يدل على مداومته على النوم بعدها، وما يشير إلى النوم بعد صلاة الوتر لمن يقدمه وإن تمادى الوقت بعد صلاة العشاء... ما روي في ذلك: عن خيثمة: كانوا يستحبون إذا أوتر الرجل أن ينام، (مصنف أبي شيبة) وعن عبد العزيز بن عمر قال: كان عمر بن عبد العزيز يسمر بعد العشاء الآخرة قبل أن يوتر فإذا أوتر لم يكلم أحدا. (طبقات ابن سعد، ج 7 ص359)، وعنه أيضا: عن أبيه؛ أنه كان إذا صلى العشاء الآخرة أمر بحوائج الناس، أو قال: المسلمين، فإذا أوتر كف. (تعظيم قدر الصلاة؛ ح116)، وما يشير إلى أن المعنى أن يصلي المرء صلاة يكون بها خاتمة يومه، قول النبي: (لا سمر إلا لمصل أو مسافر)، فقوله: (لمصل) يشير إلى أن منتظر الصلاة أو من أراد الصلاة فله أن يستمر بعد العشاء في السمر أو السهر ما دام أنه سيصلي بعدها؛ ولذا ورد من فعل التابعين ما يدل على ذلك: عن القاسم بن أبي أيوب، قال: كان سعيد بن جبير يصلي بعد العشاء الآخرة أربع ركعات، فأكلمه وأنا معه في البيت فما يراجعني الكلام (تعظيم قدر الصلاة، ح104)، أفيدونا؟ جزاكم الله خيرا... ملحوظة: لم أتحقق من صحة جميع الآثار المذكورة في السؤال؟

الإجابــة

خلاصة الفتوى:

السمر بعد العشاء مكروه إذا كان مشتملا على اللغو من الأقوال أو الأفعال، ويكون طاعة لله تعالى إذا كان في أمور الخير كمدارسة العلم الشرعي أو تدارس شؤون المسلمين.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالنوم بعد العشاء ليس له وقت معين شرعا بل يكون حسب المصلحة، فإذا كان السمر بعد صلاة العشاء في اللغو وما لا يفيد من الأقوال والأفعال فهذا مكروه لما قد يترتب عليه من النوم عن صلاة الفجر أو قيام الليل، وإن كان السمر في طاعة لله تعالى كمدارسة العلم الشرعي أو البحث في شؤون المسلمين ونحو ذلك فهو طاعة من الطاعات، وقد سمر صلى الله عليه وسلم في بيت أبي بكر في بعض شؤون المسلمين، واستحب بعض السلف أن تكون الصلاة خاتمة الأعمال فينام بعدها ولا ينام على لغو، وإليك بعض كلام أهل العلم على ما سبق.

 ففي شرح معاني الآثار لأحمد الطحاوي: باب الحديث بعد العشاء الآخرة حدثنا عبد الغني بن رفاعة اللخمي قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد قال: ثنا شعبة عن سيار بن سلامة قال: دخلت مع أبي على أبي برزة فسمعته يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل العشاء الآخرة، والحديث بعدها. حدثنا محمد بن خزيمة قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد بن سلمة عن سيار فذكر بإسناده مثله. قال أبو جعفر: فذهب قوم إلى كراهة الحديث بعد العشاء الآخرة، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث، وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: أما الكلام الذي ليس بقربة إلى الله عز وجل، وإن كان ليس بمعصية، فهو مكروه حينئذ لأنه مستحب للرجل أن ينام على قربة وخير وفضل يختم به عمله، فأفضل الأشياء له أن ينام على الصلاة فتكون هي آخر عمله، واحتجوا في إباحة الحديث بعد العشاء، بما حدثنا يزيد بن سنان قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا وهيب عن عطاء بن السائب عن أبي وائل قال: قال: ثنا عبد الله ح. وحدثنا يزيد بن سنان قال: ثنا هدبة بن خالد قال: ثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبي وائل قال: ثنا عبد الله قال: حبب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم السمر بعد صلاة العتمة، وقال مسلم: بعد صلاة العشاء. ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبب لهم السمر بعد العشاء الآخرة، وفي الحديث الأول، أنه كان يكره ذلك، فوجههما عندنا والله أعلم أنه كره لهم من السمر ما ليس بقربة، وحبب لهم ما هو قربة على المعنى الذي ذكرناه عن أهل المقالة الثانية المذكورة في هذا الباب، وقد حدثنا إبراهيم بن محمد الصيرفي قال: أبو الوليد قال: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: ربما سمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي بكر ذات ليلة في الأمر يكون من أمر المسلمين.

فبين هذا الحديث، سمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يسمره، وأنه من أمور المسلمين، فذلك من أعظم الطاعات فدل ذلك أن السمر المنهى عنه خلاف هذا، وقد روي في ذلك أيضا عن عمر رضي الله عنه ما حدثنا محمد بن خزيمة قال: ثنا حجاج قال: ثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله قال: حبب إلينا عمر السمر بعد العشاء الآخرة. ففي هذا الحديث أن عمر حبب إليهم السمر بعد العشاء الآخرة، ولم يبين لنا في هذا الحديث أي سمر ذلك فنظرنا في ذلك، فإذا سليمان بن شعيب قد حدثنا قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد قال: ثنا شعبة عن الجريري قال: سمعت أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد مولى الأنصار قال: كان عمر لا يدع سامرا بعد العشاء، يقول، أرجعوا لعل الله يرزقكم صلاة أو تهجدا. فانتهى إلينا وأنا قاعد مع ابن مسعود وأبي بن كعب وأبي ذر فقال ما يقعدكم؟ قلنا، أردنا أن نذكر الله فقعد معهم. فهذا عمر، قد كان ينهاهم عن السمر بعد العشاء، ليرجعوا إلى بيوتهم ليصلوا أو ليناموا نوما، ثم يقومون لصلاة يكونون بذلك متهجدين فلما سألهم: ما الذي أقعدهم؟ فأخبروه أنه ذكر الله، لم ينكر ذلك عليهم وقعد معهم، لأن ما كان يقيمهم له هو الذي هم قعود له، فثبت بذلك أن السمر الذي في حديث أبي وائل عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر حبباه إليهم هو الذي فيه قربة إلى الله عز وجل، والنهي عنه في حديث أبي برزة هو: ما لا قربة فيه ليستوي معاني هذه الآثار، لتتفق ولا تتضاد، وقد روينا عن عبد الله بن عباس والمسور بن مخرمة أنهما سمرا إلى طلوع الثريا. فذلك -عندنا- على السمر الذي هو قربة إلى الله عز وجل، وقد ذكرنا ذلك الحديث بإسناده فيما تقدم، من كتابنا هذا. وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أيضا من طريق ليس مثله يثبت، أنها قالت: لا سمر إلا لمصل، أو مسافر. فذلك عندنا، إن ثبت عنها غير مخالف لما روينا، وذلك أن المسافر يحتاج إلى ما يدفع النوم عنه، ليسير فأبيح بذلك السمر، وإن كان ليس بقربة، ما لم تكن معصية، لاحتياجه إلى ذلك. فهذا معنى قولها (لا سمر إلا المسافر). وأما قولها (أو مصل) فمعناه -عندنا- على المصلي بعد ما يسمر، فيكون نومه إذا نام بعد ذلك على الصلاة، لا على السمر، فقد عاد هذا المعنى إلى المعنى الذي صرفنا إليه معاني الآثار الأول، والله أعلم. انتهى.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار: وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد العشاء فكره قوم منهم السمر بعد صلاة العشاء ورخص بعضهم إذا كان في معنى العلم وما لا بد منه من الحوائج، وأكثر الحديث على الرخصة، وهذا الحديث يدل على عدم كراهة السمر بعد العشاء إذا كان لحاجة دينية عامة أو خاصة، وحديث أبي برزة وابن مسعود وغيرهما على الكراهة، وطريقة الجمع بينهما بأن توجه أحاديث المنع إلى الكلام المباح الذي ليس فيه فائدة تعود على صاحبه، وأحاديث الجواز إلى ما فيه فائدة تعود على المتكلم أو يقال دليل كراهة الكلام والسمر بعد العشاء عام مخصص بدليل جواز الكلام والسمر بعدها في الأمور العائدة إلى مصالح المسلمين، قال النووي: واتفق العلماء على كراهة الحديث بعدها إلا ما كان في خير. قيل: وعلة الكراهة ما يؤدي إليه السهر من مخافة غلبة النوم آخر الليل عن القيام لصلاة الصبح في جماعة أو الإتيان بها في وقت الفضيلة والاختيار، أو القيام للورد من صلاة أو قراءة في حق من عادته ذلك، ولا أقل لمن أمن من ذلك من الكسل بالنهار عما يجب من الحقوق فيه والطاعات. انتهى.

وفي فتح الباري للحافظ ابن حجر: وقد رويت كراهة السمر بعد العشاء عن عمر وحذيفة وعائشة وغيرهم. ثم منهم من علل بخشية الامتناع من قيام الليل، روي ذلك عن عمر، ومنهم من علل بأن الصلاة ينبغي أن تكون خاتمة الأعمال، فيستحب النوم عقيبها، حتى ينام على ذكر، ولا ينام على لغو. وروي عن عمر بن عبد العزيز، أنه كان يسمر ما لم يوتر، فجعل الختم بالوتر يقوم مقام الختم بالصلاة المكتوبة، وكانت عائشة تقول لمن يسمر: أريحوا كتابكم. تعني: الملائكة الكاتبين. ومتى كان السمر بلغو ورفث وهجاء فإنه مكروه بغير شك. انتهى.

وأما الآثار التي ذكرتها فتخريجها على النحو التالي:

1- كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها. متفق عليه.

2- ما نام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل العشاء ولا سمر بعدها. رواه ابن ماجه وغيره وصححه الشيخ الألباني.

3- عن خثيمة: كانوا يستحبون إذا أوتر الرجل أن ينام. رواه المروزي في مختصر قيام الليل.

4-  لا سمر إلا لمصل أو مسافر. قال عنه الألباني في السلسلة الصحيحة: لا سمر إلا لمصل أو مسافر. حسن صحيح وله شاهد عن عائشة مرفوعا بلفظ: لا سمر إلا لثلاثة مصل أو مسافر أو عروس. وإسناده حسن. انتهى.

5- ما ورد عن عمر بن عبد العزيز أنه: إذا أوتر لم يكلم أحدا. رواه المروزى في مختصر قيام الليل ولم نقف على من حكم عليه بصحة أو ضعف.

6- ما ورد عنه أيضا من كونه إذا أوتر كف عن حوائج الناس. لم نقف عليه في غير تعظيم قدر الصلاة للمروزى.

7- ما ورد عن سعيد بن جبير رواه ابن أبي شيبة في المصنف برواية تختلف عما ذكرته، ولم نقف على من حكم عليه بصحة أو غيرها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة