السؤال
(ومن يرد فيه بإلحاد)، الضمير هنا عائد على مكة المكرمة ككل أم على المسجد الحرام في حد ذاته أم على القاطن داخل حدود الحرم، وما معنى كلمة إلحاد وهل المقصود بها محقرات الذنوب أم الكبائر أم ما توسوس به النفس ولم تحدث؟
(ومن يرد فيه بإلحاد)، الضمير هنا عائد على مكة المكرمة ككل أم على المسجد الحرام في حد ذاته أم على القاطن داخل حدود الحرم، وما معنى كلمة إلحاد وهل المقصود بها محقرات الذنوب أم الكبائر أم ما توسوس به النفس ولم تحدث؟
خلاصة الفتوى:
ضمير فيه يعود على الحرم كله، وإرادة الإلحاد: إرادة المخالفة الشرعية عموما.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن ضمير (فيه) عائد إلى المسجد الحرام، ويتضح ذلك إذا عدنا إلى بداية السياق وهي قول الله تعالى: إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم {الحج:25}، والمراد بالمسجد الحرام ما دخل في حدود الحرم المكي -على الراجح من أقوال أهل العلم- كما دلت عليه آيات أخرى منها قول الله تعالى: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ... {البقرة:196}، وقد نقل ابن جرير الإجماع على أن أهل الحرم معنيون به، وقوله تعالى: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام... {الإسراء:1}، قال أهل العلم: إن الإسراء كان من بيت أم هانئ ولم يكن من المسجد ذاته، فدل ذلك على أن المسجد الحرام: الحرم كله. وقيل لعطاء: هذا الفضل الذي يذكر في المسجد الحرام وحده أو في الحرم؟ قال: لا؛ بل في الحرم فإن الحرم كله مسجد.
هذا وبإمكانك الاطلاع على المزيد من أقوال أهل العلم في تفسير ابن كثير والقرطبي وغيرهما.
وأما أصل الإلحاد في اللغة: فهو الميل، وهو هنا: الميل إلى معصية الله تعالى ومخالفة شرعه، قال الطبري: ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم: يعني أن تستحل من الحرام ما حرم الله عليك.
وقال القرطبي: والمعاصي تضاعف بمكة كما تضاعف الحسنات، فتكون المعصية معصيتين، إحداهما: بنفس المخالفة، والثانية: بإسقاط حرمة البلد الحرام، وهكذا الأشهر الحرم سواء، وقد روى أبو داود عن يعلى بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه. وهو قول عمر بن الخطاب، والعموم يأتي على هذا كله.
وعلى ذلك.. فالمقصود بالإلحاد المخالفات الشرعية عموما، وأما مجرد وسوسة النفس أو ما يخطر بالبال من غير تحدث به أو عمل له أو عزم عليه فإنه لا يؤاخذ به في الحرم ولا في غيره، أما العزم على المعصية فإنه يؤاخذ به في الحرم وفي غيره؛ لكنه في الحرم يكون أعظم وذنبه أغلظ لهذه الآية، فقد نقل الطبري في تفسيره عن بعض السلف قال: لو أن رجلا هم فيه بسيئة وهو بعدن أبين لأذاقه الله عذابا أليما، وقال: إن الرجل ليهم بالخطيئة بمكة وهو في بلد آخر ولم يعملها فتكتب عليه. وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 6574.
والله أعلم.