السؤال
هل يمكن اعتبار هاتين الآيتين دليلا على العذر بالجهل سواء في الأصول أم في الفروع، {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما} (النساء: 17)، {ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم} (النحل:119)؟ جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
خلاصة الفتوى:
الآيتان المذكورتان ليستا في العذر بالجهل كما قال أهل التفسير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الآيتين المذكورتين وما أشبههما مما ورد في القرآن الكريم مثل قول الله تعالى: كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم {الأنعام:54}، ليست دليلا على العذر بالجهل لأن معناها -كما قال أهل التفسير- ليس الجهل بالحكم الشرعي وإنما تنزلهم منزلة من يجهل غضب الله وعقابه لمن ارتكب ما حرم الله عليه، قال شيخ المفسرين أبو جعفر الطبري: يعملون السوء بجهالة، قال: اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا أن كل شيء عصي به فهو جهالة عمدا كان أو غيره كما نقل عن بعض السلف قولهم: الجهالة: العمد.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 5505، والفتوى رقم: 73437.
وأما العذر بالجهل فيما فيه عذر به فله أدلة أخرى منها قول الله تعالى حكاية في قوم موسى: وجاوزنا ببني إسرآئيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون {الأعراف:138}، وحديث أبي واقد الليثي عند الترمذي وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى خيبر مر بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم فقالوا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنوط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الله هذا كما قال قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم.
وما جاء في الصحيحين في الرجل الذي قال: إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في اليم، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا من العالمين، ففعلوا به ذلك، فقال الله له: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك، فغفر له. وقد بينا ضوابط العذر بالجهل في الفتوى رقم: 19084.
والله أعلم.