السؤال
كيف يكون الاختلاط بين الرجل والمرأة الأجنبية وما حدود ذلك فقد سمعت أحد أهل العلم يقول إنه ليس فقط عند الضرورة واستشهد بقصص كثيرة في عهد النبي منها: أن أسماء ما حدث بينها وبين الزبير وقد نسيت القصة أرجو ذكرها ومدى صحتها , وأن النبي كان يسلم على النسوة، وذكر أحاديث كثيرة قال إنها صحيحة وأن المرأة تأكل مع زوجها وضيفه على مائدة واحدة وأن النبي حضر وليمة عند يهودي و اصطحب معه عائشة أو نحو ذلك و غير ذلك مما ذكره و قال إن الأصل ليس أن تبقى المرأة في بيتها ولا أن تخرج منه لكن تخرج بقدر الحاجة وأن لا تتصنع الكلام مع الرجال وتختلقه لكن إن أرادت السؤال والاستفسار عن شيء فلا حرج عليها في ذلك .
أرجو التفصيل في هذه المسألة و حدود هذا الاختلاط مع ذكر الأحاديث الصحيحة و جزاكم الله خيرا .
الإجابــة
خلاصة الفتوى:
الاختلاط مع الالتزام بالضوابط الشرعية لا حرج فيه، أما بدونها فحرام، والأصل أن تقر المرأة في بيتها ولا تخرج إلا لحاجة ملتزمة بحجابها متجنبة للطيب وما يثير الانتباه إليها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الاختلاط بين الرجل والمرأة الأجنبية لا حرج فيه إذا التزمت فيه الضوابط الشرعية من عدم الخلوة وغض البصر وعدم الكلام إلا عند الحاجة والالتزام بالحجاب وعدم الخضوع بالقول ونحو ذلك، أما إذا خلا من الالتزام بالضوابط الشرعية فهو حرام، وقد سبقت فتاوى كثيرة في بيان ذلك فراجع منها الفتاوى التالية أرقامها: 5310، 3539، 15176، 19233، 48092، 5666، 63091.
وأما بخصوص قصة أسماء والزبير فهي قصة صحيحة ثابتة في الصحيحين وغيرهما، وخلاصتها أن أسماء كانت يوما تنقل نوى من أرض للزبير فرآها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان راكبا على دابته فدعاها ثم قال أخ أخ قالت أسماء: ليحملني خلفه، وهذه القصة لايستقيم الاستدلال بها على مشروعية الاختلاط مطلقا ويجاب عنها بواحد من أمرين:
الأول: ما ذكره القاضي عياض من أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم بخلاف غيره. قال القاضي عياض: وإنما كانت هذه خصوصية له لكونها بنت أبي بكر وأخت عائشة رضي الله عنها وامرأة الزبير فكانت كإحدى أصله ونسائه مع ما خصه به صلى الله عليه وسلم أنه أملك لإربه.
أما الأمر الثاني أو الاحتمال الثاني: فقد أفاده الحافظ ابن حجر في فتح الباري، حيث قال رحمه الله: قوله: ليحملني خلفه كأنها فهمت ذلك من قرينة الحال وإلا فيحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أراد أن يركبها وما معها ويركب هو شيئا آخر.
وهذا الذي ذكره ابن حجر احتمال قوي، وعليه فلا ينتهض الاستدلال بالقصة المذكورة على ما أرادوا، وأما قصة اصطحاب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة في الدعوة التي دعي إليها فلا حجة فيها كذلك، وفيها احتمالان:
الأول: أن يكون ذلك قبل فرض الحجاب.
والثاني: أن يكون بعده إلا أنه لم يحدث اختلاط أو كان مع الالتزام بالضوابط الشرعية التي بيناها.
وقد أخرج هذه القصة الإمام أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه عن أنس: أن جارا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فارسيا كان طيب المرق فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء يدعوه فقال وهذه لعائشة فقال لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا، فعاد يدعوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه قال: لا، ثم عاد يدعوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه قال: نعم في الثالثة فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله. وهي صحيحة كما رأيت، لكن الدعوة جاءت من فارسي وليس يهوديا.
وهذان الاحتمالان يجاب بهما كذلك على ما جاء من أن بعض نساء الصحابة كن يأكلن مع أزواجهن في حضور الضيف، وقد قوى العلماء في جوابهم عن ذلك الاحتمال الأول وهو أن ذلك كان قبل فرض الحجاب الذي كان في السنة الخامسة من الهجرة، وأما قوله إن الأصل ليس أن تبقى المرأة في بيتها ولا أن تخرج فكلام غير صحيح، وإلا فما يصنع مع قوله تعالى: وقرن في بيوتكن {الأحزاب: 33} وهي في حق نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي هن أطهر وأشرف نساء هذه الأمة فكيف بغيرهن.
وسلام النبي صلى الله عليه وسلم على النسوة ليس دليلا على إباحة الاختلاط وإنما غاية ما فيه جواز سلام الرجل على جماعة النسوة، هذا فضلا عن أن سلام الرجل على المرأة الأجنبية جائز عند أمن الفتنة على الراجح، ولا يلزم من جوازه إباحة الاختلاط كما لا يخفى، وراجع الفتوى رقم: 6158، والفتوى رقم: 8469.
والله أعلم.