السؤال
على مستوى الأفعال ضميري مرتاح جدا، لكن على مستوى النوايا والأفكار أنا أتعذب، من ذلك مثلا أنه حتى أثناء الصلاة تهاجمني من داخلي أصوات تسب الجلالة وتسخر منها، وعلى مستوى الأفكار العديد من الأسئلة لم أجد لها أجوبة مقنعة، من ذلك مثلا كيف عالم ضحى بصحته وماله في سبيل الإنسانية وكان حسن الأخلاق طيبا جدا، يدخل النار وكل ذنبه أنه لم يعرف الإسلام أو عرفه لكن لم يفكر في اعتناقه، أنا الذي سيفقدني صوابي أن الله عادل وواثق أن في الأمر سرا لكني عجزت تماما عن إدراك هذا السر، فأرجوكم ساعدوني على معرفة هذا السر وأيضا على التخلص من الأصوات التي تتهكم وتسب الجلالة؟ وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن ما يدور في نفس الإنسان دون أن يتكلم به معفو عنه، لما في الحديث: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم. متفق عليه. والواجب الإعراض عن ذلك والتشاغل عنه بما يفيد من تعلم أو تكسب أو رياضة مباحة، فاحرص على الصلاة في الجماعة والإكثار من سماع القرآن وتلاوته والمحافظة على الأذكار المأثورة، وخالط وجالس أهل الخير والاستقامة، ولا تكثر الانفراد وحدك عن الناس والاسترسال في الخواطر الشيطانية، فدواء وساوس الشيطان الإعراض والتلهي عنها، ودواء القلق النفسي بالذكر والدعاء والأعمال الصالحة، فقد قال الله تعالى: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون {النحل:97}، وقال تعالى: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى {طه:124}.
وأبشر وأيقن بأن استعظامك وردك لما تجد في نفسك دليل على الإيمان لما في الحديث عن أبي هريرة قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: أنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: أوقد وجدتموه، قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. وفي رواية لأحمد وأبي داود: قالوا: أنا نجد في أنفسنا ما لو يكون أحدنا حممة أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة.
وأما اعتقاد عدل الله تعالى فواجب على المسلم ولا يجوز الشك فيه، فإن لم يفهم حكمة ما فيجب عليه التسليم واتهام عقله بقصور الفهم، وأما الكافر الذي ذكرت فإن مقصد خلقه أولا هو عبادة الله وتوحيده، لقوله تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون {الذاريات:56}، وقد أسبغ على العباد نعمه ليسلموا له وينقادوا لطاعته، كما قال تعالى: كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون {النحل:81}، فلا ذنب أعظم من ترك الإسلام وعدم البحث عنه والتعرف عليه.
وأما إذا اشتغل العبد بنفع الخلق وأهمل توحيد وعبادة الخالق فقد ضل الطريق وسيجزيه على إحسانه إلى الناس في الدنيا ويعاقبه على الشرك ويخلده في نار جهنم، ففي الحديث: إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها. رواه مسلم. وقال الله تعالى: إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية {البينة:6}، وفي الحديث: والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. فمن سمع بالإسلام ثم لم يسلم لا يعذر مهما كانت خدمته للخلق ومن لم يسمع به حتى مات فسيمتحن في الآخرة.
وراجع في بيان عدل الله وفي المزيد عن أمر الوساوس ومصير الكفار الفتاوى ذات الأرقام التالية مع إحالاتها: 96569، 65864، 63821، 75056، 97132، 94055، 79113، 70476.
والله أعلم.