صفحة جزء
ذكر القصاص بين الأحرار والعبيد في النفس

اختلف أهل العلم في القصاص بين الأحرار والعبيد في النفس .

فقالت طائفة : لا قصاص بينهما . روي عن عبد الله بن الزبير أنه لم يقد حرا بعبد .

وهذا قول الحسن البصري ، وعطاء بن أبي رباح ، وعكرمة ، وعمرو بن دينار ، وعمر بن عبد العزيز . وروي ذلك عن أبي بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، والشعبي . [ ص: 49 ]

9306 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا حماد ، عن الحجاج ، أن عبد الله بن الزبير لم يقد حرا بعبد .

9307 - حدثنا موسى قال : حدثنا عباد بن العوام ، عن حجاج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن أبا بكر وعمر كانا لا يقتلان الحر بقتل العبد . وبه قال مالك بن أنس ومن تبعه من أهل المدينة ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور .

وقالت طائفة : القصاص بينهما ثابت في النفس . هذا قول سعيد بن المسيب ، والنخعي ، والشعبي ، وقتادة .

وكان سفيان الثوري يقول : إن قتل عبده أو عبد غيره قتل به .

هذه حكاية عبد الرزاق عنه ، وحكى عنه وكيع أنه قال : يقتل الرجل بعبد غيره ، ولا يقتل بعبده كما لو قتل ابنه لم يقتل به . وحكى أبو نعيم عن الثوري أنه قال : إذا قتل عبده عمدا قتل به ، وقال أصحاب الرأي : إذا قتل الحر المملوك عمدا ، فإن عليه القصاص .

بلغنا ذلك عن علي . [ ص: 50 ]

قال أبو بكر : فالذي روى الحديث عن علي : الحكم من حديث ليث بن أبي سليم ، وهو غير ثابت عنه وقد احتج بعض من يقول بهذا القول بظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "المؤمنون تكافأ دماؤهم " ، فقال : هو مؤمن وهو مكافئ للحر . ولما قال في هذا الحديث : "ويسعى بذمتهم أدناهم" : فكانت هذه الكلمة حجة في جواز أمان العبد كانت حجة في أن بينهما القود ، لدخولهما في جملة قوله : "المؤمنون تكافأ دماؤهم" (لأن قوله "يسعى بذمتهم أدناهم" عطفا على قوله : "المؤمنون تكافأ دماؤهم" ) وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من قتل عبده قتلناه" وليس بثابت ذلك عنه .

9308 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا حجاج بن منهال قال : حدثنا حماد قال : أخبرنا قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من قتل عبده قتلناه ، ومن جدع عبده جدعناه " . [ ص: 51 ]

واحتج من خالف هذا فقال : لما أجمعوا على أن لا قصاص بين العبيد والأحرار فيما دون النفس ، كان القصاص في النفس كذلك ، لأنهم إذا أجمعوا على منع القليل كان منع الكثير أولى ، مع أن دماء المؤمنين محرمة إلا أن يبيحها كتاب أو سنة أو إجماع ، وقال الله - جل ذكره - : ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ) الآية .

ولما أجمعت العلماء أن ذلك في الأحرار دون العبيد إذا الواجب على من قتل عبدا القيمة ، وعلى من قتل حرا الدية ، ففيما أجمعوا في ذلك دليل على أن معنى قوله : "المؤمنون تكافأ دماؤهم الأحرار دون العبيد" وقال الله جل ذكره : ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) فمن الحق إذ لا يسفك دم قد أجمع على تحريم سفك دمه إلا بكتاب أو سنة أو إجماع .

وأما قوله ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ) فإنما كتب على أولئك ، ولو كانت الآية فينا ما وجب استعمال ظاهرها ، لأن الأخبار قد ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "لا يقتل مؤمن بكافر " . ومنع عوام أهل العلم أن يقتل الرجل بابنه . [ ص: 52 ]

قال أبو بكر : وكل من نحفظ عنه من أهل العلم يمنع أن يقتص للعبيد من الأحرار فيما دون النفس . كذلك قال مالك ، وأهل المدينة ، وبه قال الشافعي ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي .

9309 - وقد روينا عن الشعبي ، والنخعي ، والحسن أنهم قالوا : ليس بين المملوكين والأحرار قصاص فيما دون النفس . وكذلك قال الثوري .

التالي السابق


الخدمات العلمية