جماع أبواب القصاص في النفس وفيما دون النفس 
ذكر التسوية بين دماء المؤمنين  
قال الله - جل ذكره - ( كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى   ) وثبت عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "المؤمنون تكافأ دماؤهم "  . 
 9300  - حدثنا يحيى بن محمد  قال : حدثنا مسدد  قال : حدثنا  يزيد بن زريع  قال : حدثنا سعيد  ، عن  قتادة  ، عن الحسن  ، عن قيس بن عباد  قال : انطلقت إلى علي  أنا ورجل فقلت له : هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لم يعهده إلى أحد ؟ قال : لا ، إلا ما في قرابي هذا ، فأخرج كتابا فإذا فيه : "المؤمنون تكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم "  . 
حدثني علي  ، عن أبي عبيد  قال : أما قوله : "تتكافأ دماؤهم" فإنه يريد تتساوى في القصاص والديات ، فليس لشريف على وضيع فضل من ذلك ، وأما قوله "يسعى بذمتهم أدناهم" : فإن الذمة الأمان ، يقول : إذا أعطى الرجل منهم العدو أمانا جاز ذلك على جميع  [ ص: 43 ] المسلمين ليس لهم أن يخفروه ، كما أجاز عمر  أمان عبد على جميع أهل العسكر . 
قال  أبو بكر   : وأجمع أهل العلم على أن الحر يقاد به الحر ، وإن كان الجاني مقعدا أو أعمى أو أقطع اليدين والرجلين ، والمقتول صحيح سوي الخلق . 
قال  أبو بكر   : وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : "المؤمنون تكافأ دماؤهم" دليل على أن أهل الكتاب لا يكونوا أكفياء للمؤمنين في القود ، ولو قال قائل : إن ذلك يدل على أنهم لا يكونوا أكفياء للمؤمنين في الدية لكان لذلك وجه محتمل . 
وأجمع عوام أهل العلم على أن بين الرجل والمرأة القصاص في النفس إذا كان القتل عمدا إلا شيء اختلف فيه عن علي  ،  وعطاء  ، وروي عن الحسن   . 
وممن قال بأن بين المرأة والرجل القصاص في النفس :  مالك بن أنس  فيمن تبعه من أهل المدينة  ،  وسفيان الثوري  فيمن وافقه من أهل العراق  ، وكذلك قال  الشافعي  وأصحابه . وبه قال أحمد  ،  وأبو ثور  ، وأصحاب الرأي   . وحكي ذلك عن  الأوزاعي  ، وربيعة  ،  [ ص: 44 ]  وابن أبي ليلى  ، وعبد الله بن الحسن  ، وقد ثبت أن  عمر بن الخطاب  أقاد رجلا بامرأة . وممن هذا مذهبه :  النخعي  ،  والشعبي  ،  وعمر بن عبد العزيز  ،  والزهري   . 
 9301  - حدثنا  علي بن عبد العزيز  قال : حدثنا حجاج  قال : حدثنا حماد  قال : أخبرنا الحجاج  ، عن  الأعمش  ، عن  زيد بن وهب   : أن  عمر بن الخطاب  أقاد رجلا بامرأة   . 
 9302  - وقد روينا عن  علي بن أبي طالب  رواية - لا أحسبها تثبت - أنه قال في الرجل يقتل المرأة عمدا : إن شاؤوا قتلوه وأعطوا أهل المقتول نصف الدية ، وقال : وإن شاؤوا أن يأخذوا دية المرأة فعلوا ذلك ، رواية يونس  ، عن الحسن  ، عن علي   . 
وقال  الحسن البصري   : لا يقتل الذكر بالأنثى حتى يؤدوا نصف الدية إلى أهله . 
واختلف فيه عن عطاء   : فذكر  عبد الرزاق  ، عن  ابن جريج  ، عنه أنه قال : والمرأة تقتل بالرجل ليس بينهما فضل ، وعمرو   .  [ ص: 45 ] 
وذكر يعلى  ، عن عبد الملك  ، عنه أنه قال : إن قتلوه [أدوا ] نصف الدية ، وإن شاؤوا قبلوا الدية . 
قال  أبو بكر   : في قول النبي صلى الله عليه وسلم :  "المؤمنون تكافأ دماؤهم" دليل على إثبات القصاص بين الرجال والنساء في النفس  ، وفي حديث  أنس بن مالك  بيان ذلك وإثبات القصاص بينهما . 
 9303  - حدثنا محمد بن مهل  قال : حدثنا  عبد الرزاق  ، قال أخبرنا  معمر  ، عن أيوب  ، عن أبي قلابة  ، عن أنس  ، أن رجلا من اليهود قتل جارية من الأنصار بالحجارة على حلي لها ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم بالحجارة حتى مات   . 
 9304  - حدثنا  علي بن عبد العزيز  قال : حدثنا  حجاج بن منهال  قال : حدثنا همام  قال : أخبرنا  قتادة  ، عن  أنس بن مالك  ، أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين ، فقيل لها : من فعل هذا بك : فلان أم فلان ؟ حتى سمي اليهودي ، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف ، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرض رأسه بالحجارة . 
قال  أبو بكر   : هذا الحديث يدل على إثبات القصاص على من قتل ، أو جرح بغير حديد  ، خلاف قول من قال : لا قود إلا ما كان بحديد .  [ ص: 46 ] 
قال  أبو بكر   : وقال بعض أهل الحديث : هذا الحديث يدل على أن لولي الصغيرة أن يقتص لها ، وإن كان لا منفعة للصغيرة فيه ، وإن كان أخذ الأرش أنفع لها ، وإذا كان كذلك ففيه دليل على أن لهم أن يعفوا عن القصاص الذي يجب للصغيرة على أرش يأخذوه ، لأن من كان إليه القصاص فله العفو على أرش يأخذه . 
قال  أبو بكر   : وحديث علي  غير ثابت ، لأنه مرسل ، وقد روينا عن علي  خلاف ذلك وقد روينا عن الحسن  خلاف تلك الرواية عنه ، وهو : أن القصاص بين الرجل والمرأة  فيما كان من العمد إلى ثلث الدية . 
قال  أبو بكر   : فإذا دخلت هذه الأخبار من العلل ما ذكرناه من العلل صار وجوب القصاص بينهما كالإجماع ، مع السنن الثابتة المستغنى بها عما سواها . 
قال  أبو بكر   : وقد دل هذا الحديث على أن اعتراف الجاني مرة ، يوجب عليه القصاص .  [ ص: 47 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					