[ ص: 250 ] المسألة الثالثة عشرة
اختلفوا في
اشتراط عدد التواتر في الإجماع ، فمن استدل على كون الإجماع حجة بدلالة العقل وهو أن الجمع الكثير لا يتصور تواطؤهم على الخطأ
nindex.php?page=showalam&ids=12441كإمام الحرمين وغيره فلا بد من اشتراط ذلك عنده لتصور الخطأ على من دون عدد التواتر .
وأما من احتج على ذلك بالأدلة السمعية ، فقد اختلفوا فمنهم من شرطه ومنهم من لم يشترطه .
والحق أنه غير مشترط لما بيناه من أن إثبات الإجماع بطريق العقل غير متصور ، وأنه لا طريق إليه سوى الأدلة السمعية من الكتاب والسنة ، وعلى هذا فمهما كان
عدد الإجماع أنقص من عدد التواتر صدق عليهم لفظ ( الأمة ) و ( المؤمنين ) وكانت الأدلة السمعية موجبة لعصمتهم عن الخطأ عليهم ، ووجب اتباعهم .
فإن قيل : ما ذكرتموه إنما يصح بتقدير عود عدد المسلمين إلى ما دون عدد التواتر ، وذلك غير متصور مهما دام التكليف من الله تعالى بدين الإسلام ، وذلك لأن التكليف به إنما يكون مع قيام الحجة على ذلك ، والحجة على ذلك إنما تكون بالنقل المفيد لوجود
محمد وتحديه بالرسالة ، وما ورد على لسانه من معجز الكتاب والسنة وأدلة الأحكام يقينا ، ولا يفيد ذلك غير التواتر من أخبار المسلمين لعدم نقل غيرهم لذلك ومبالغتهم في محو ذلك وإعدامه .
سلمنا إمكان انتفاء التكليف مع عود عدد المجمعين إلى ما دون عدد التواتر ولكن ما دون عدد التواتر مما لا يعلم إسلامهم وإيمانهم بأقوالهم ، ومن لا يعلم إيمانه لا يعلم صدقه في الخبر عن الدين .
سلمنا إمكان حصول العلم بأقوال من عددهم دون عدد التواتر
فلو لم يبق من الأمة سوى واحد هل تقوم الحجة بقوله أم لا ؟
والجواب عن الأول : أنا إن قلنا إن أهل الإجماع هم أهل الحل والعقد ، فلا يلزم من نقصان عددهم عن عدد التواتر انقطاع الحجة بالتكليف ؛ لإمكان حصول المعرفة بذلك من أخبار المجتهدين والعامة جميعا ، فإنه ليس من شرط التواتر أن
[ ص: 251 ] يكون ناقله مجتهدا ، وإن قلنا إن العوام داخلة في الإجماع ومع ذلك فعدد الجميع دون عدد التواتر ، فلا يلزم أيضا انقطاع ذلك لإمكان إدامة الله ذلك بأخبار المسلمين وأخبار الكفار معهم ، وإن كانوا لا يعترفون بنبوة
محمد عليه السلام وبخبر العدد القليل لاحتفاف القرائن المفيدة للعلم بأخبارهم .
ويدل على ذلك قوله عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355165لا تزال طائفة من أمتي تقوم بالحق حتى يأتي أمر الله " ، وبتقدير عدم ذلك كله فانقطاع التكليف وانتهاء الإسلام غير ممتنع عقلا ولا شرعا .
ولذلك قال عليه السلام : "
أول ما يفقد من دينكم الأمانة ، وآخر ما يفقد الصلاة " ، وقال عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355167إن الله لا ينزع العلم من صدور الرجال ، ولكن ينزع العلم بقبض العلماء ، فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا ، فإذا سئلوا أفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا " .
وعن السؤال الثاني : أنه لا بعد في حصول العلم بخبرهم بما يحتف به من القرائن ، بل ولا بعد في ذلك وإن كان المخبر واحدا ، وأن يخلق الله لنا العلم الضروري بذلك .
وعن السؤال الثالث : أن ذلك مما اختلف فيه جواب الأصحاب ، فمنهم من قال : إن قوله يكون حجة متبعة ; لأنه إذا لم يوجد من الأمة سواه صدق عليه إطلاق لفظ ( الأمة ) .
ودليله قوله تعالى : (
إن إبراهيم كان أمة قانتا ) أطلق لفظ ( الأمة ) عليه وهو واحد .
والأصل في الإطلاق الحقيقة ، وإذا كان أمة كانت النصوص السابق ذكرها متناولة له حسب تناولها للجمع الكثير .
ومنهم من أنكر ذلك مصيرا منه إلى أن لفظ ( الإجماع ) مشعر بالاجتماع وأقل ما يكون ذلك من اثنين فصاعدا .