الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإحكام في أصول الأحكام

          الآمدي - علي بن محمد الآمدي

          [ ص: 195 ] الأصل الثالث

          في الإجماع [1]

          ويشتمل على مقدمة ومسائل .

          أما المقدمة ففي تعريف الإجماع ، وهو في اللغة باعتبارين :

          أحدهما : العزم على الشيء والتصميم عليه ومنه يقال : أجمع فلان على كذا إذا عزم عليه وإليه الإشارة بقوله تعالى : ( فأجمعوا أمركم ) أي اعزموا ، وبقوله عليه السلام : " لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل " أي يعزم ، وعلى هذا فيصح إطلاق اسم الإجماع على عزم الواحد .

          الثاني : الاتفاق ، ومنه يقال : أجمع القوم على كذا إذا اتفقوا عليه .

          وعلى هذا فاتفاق كل طائفة على أمر من الأمور دينيا كان أو دنيويا يسمى إجماعا حتى اتفاق اليهود والنصارى .

          وأما في اصطلاح الأصوليين فقد قال النظام : هو كل قول قامت حجته حتى قول الواحد .

          وقصد بذلك الجمع بين إنكاره كون إجماع أهل الحل والعقد حجة ، وبين موافقته لما اشتهر بين العلماء من تحريم مخالفة الإجماع ، والنزاع معه في إطلاق اسم الإجماع على ذلك مع كونه مخالفا للوضع اللغوي والعرف الأصولي آيل إلى اللفظ .

          وقال الغزالي : الإجماع عبارة عن اتفاق أمة محمد خاصة على أمر من الأمور الدينية ، وهو مدخول من ثلاثة أوجه :

          الأول : أن ما ذكره يشعر بعدم انعقاد الإجماع إلى يوم القيامة ، فإن أمة محمد جملة من اتبعه إلى يوم القيامة ، ومن وجد في بعض الأعصار منهم إنما يعم بعض الأمة لا كلها ، وليس ذلك مذهبا له ولا لمن اعترف بوجود الإجماع .

          الثاني : أنه وإن صدق على الموجودين منهم في بعض الأعصار أنهم أمة محمد غير أنه يلزم مما ذكره أنه لو خلا عصر من الأعصار عن أهل الحل والعقد ، وكان كل من فيه عاميا واتفقوا على أمر ديني أن يكون إجماعا شرعيا ، وليس كذلك .

          [ ص: 196 ] الثالث : أنه يلزم من تقييده للإجماع بالاتفاق على أمر من الأمور الدينية أن لا يكون إجماع الأمة على قضية عقلية أو عرفية حجة شرعية ، وليس كذلك لما يأتي بيانه .

          والحق في ذلك أن يقال : الإجماع عبارة عن اتفاق جملة أهل الحل والعقد من أمة محمد في عصر من الأعصار على حكم واقعة من الوقائع .

          هذا إن قلنا إن العامي لا يعتبر في الإجماع ، وإلا فالواجب أن يقال : الإجماع عبارة عن اتفاق المكلفين من أمة محمد إلى آخر الحد المذكور .

          فقولنا : ( اتفاق ) يعم الأقوال والأفعال والسكوت والتقرير .

          وقولنا : ( جملة أهل الحل والعقد ) احتراز عن اتفاق بعضهم وعن اتفاق العامة .

          وقولنا : ( من أمة محمد ) احتراز عن اتفاق أهل العقد من أرباب الشرائع السالفة .

          وقولنا : ( في عصر من الأعصار ) حتى يندرج فيه إجماع أهل كل عصر ، وإلا أوهم ذلك أن الإجماع لا يتم إلا باتفاق أهل الحل والعقد في جميع الأعصار إلى يوم القيامة .

          وقولنا : ( على حكم واقعة ) ليعم الإثبات والنفي والأحكام العقلية والشرعية ، وإذا عرف معنى الإجماع فلنرجع إلى المسائل المتعلقة به .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية