المسألة الثالثة والعشرون
هل يمكن وجود خبر أو دليل ولا معارض له وتشترك الأمة في عدم العلم به ؟ اختلفوا فيه ، فمنهم من جوزه مصيرا منه إلى أنهم غير مكلفين بالعمل
>[1] ، بما لم يظهر لهم ولم يبلغهم ، فاشتراكهم في عدم العلم به لا يكون خطأ فإن عدم العلم ليس من فعلهم ، وخطأ المكلف من أوصاف فعله .
ومنهم من أحاله مصيرا منه إلى أنهم لو اشتركوا في عدم العلم به ، لكان ذلك سبيلا لهم ولوجب على غيرهم اتباعه ، وامتنع تحصيل العلم به لقوله تعالى : ( سبيل المؤمنين ) الآية .
[ ص: 280 ] والمختار أنه لا مانع من اشتراكهم في عدم العلم به ، وإن كان عملهم موافقا لمقتضاه لعدم تكليفهم بمعرفة ما لم يبلغهم ولم يظهر لهم ، وأما الآية فلا حجة فيها هاهنا ، لأن سبيل كل طائفة ما كان من الأفعال المقصودة لهم المتداولة فيما بينهم باتفاق منهم على ما هو المتبادر إلى الفهم من قول القائل : سبيل فلان كذا وسبيل فلان كذا .
وعدم العلم ليس من فعل الأمة فلا يكون سبيلا لهم ، كيف وإنا نعلم أن المقصود من الآية إنما هو الحث على متابعة سبيل المؤمنين ، ولو كان عدم العلم بالدليل سبيلا لهم لكانت الآية حاثة على متابعته ، والشارع لا يحث على الجهل بأدلته الشرعية إجماعا .
وأما إن كان عملهم على خلافه فهو محال لما فيه من إجماع الأمة على الخطأ المنفي بالأدلة السمعية .