المسألة الأولى
>[1] اتفق العلماء على أن
العموم من عوارض الألفاظ حقيقة ، واختلفوا في عروضه حقيقة للمعاني فنفاه الجمهور وأثبته الأقلون .
وقد احتج المثبتون بقولهم الإطلاق شائع ذائع في لسان أهل اللغة بقولهم : عم الملك الناس بالعطاء والإنعام ، وعمهم المطر والخصب والخير وعمهم القحط .
وهذه الأمور من المعاني لا من الألفاظ .
والأصل في الإطلاق الحقيقة .
أجاب النافون بأن الإطلاق في مثل هذه المعاني مجاز لوجهين : الأول : أنه لو كان حقيقة في المعاني لاطرد في كل معنى إذ هو لازم الحقيقة ، وهو غير مطرد .
ولهذا فإنه لا يوصف شيء من الخاصة الواقعة في امتداد الإشارة إليها كزيد وعمرو بكونه عاما لا حقيقة ولا مجازا .
الثاني : أن من لوازم العام أن يكون متحدا ومع اتحاده متناولا لأمور متعددة من جهة واحدة .
والعطاء والإنعام الخاص بكل واحد من الناس غير الخاص بالآخر منها ، وكذلك المطر فإن كل جزء اختص منه بجزء من الأرض لا وجود له بالنسبة إلى الجزء الآخر منها ، وكذلك الكلام في الخصب والقحط فلم يوجد من
[ ص: 99 ] ذلك ما هو مع اتحاده يتناول أشياء من جهة واحدة ، فلم يكن عاما حقيقة بخلاف اللفظ الواحد كلفظ الإنسان والفرس .
أجاب المثبتون عن الأول :
بأن العموم وإن لم يكن مطردا في كل معنى ، فهو غير مطرد في كل لفظ ، فإن أسماء الأعلام كزيد وعمرو ونحوه لا يتصور عروض العموم لها لا حقيقة ولا مجازا ، فإن كان عدم اطراده في المعاني مما يبطل عروضه للمعاني حقيقة فكذلك في الألفاظ ، وإن كان ذلك لا يمنع في الألفاظ فكذلك في المعاني ، ضرورة عدم الفرق .
وعن الوجه الثاني : أنه وإن تعذر عروض العموم للمعاني الجزئية الواقعة في امتداد الإشارة إليها حقيقة ، فليس في ذلك ما يدل على امتناع عروضه للمعاني الكلية المتصورة في الأذهان ، كالمتصورة من معنى الإنسان المجرد عن الأمور الموجبة لتشخيصه وتعيينه ، فإنه مع اتحاده فمطابق لمعناه وطبيعته لمعاني الجزئيات الداخلة تحته من زيد وعمرو من جهة واحدة كمطابقة اللفظ الواحد العام لمدلولاته .
وإذا كان عروض العموم للفظ حقيقة إنما كان لمطابقته مع اتحاده للمعاني الداخلة تحته من جهة واحدة .
فهذا المعنى بعينه متحقق في المعاني الكلية بالنسبة إلى جزئياتها ، فكان العموم من عوارضها حقيقة .