وأما المسائل فمسألتان :
المسألة الأولى
اتفق القائلون بالعموم على جواز تخصيصه على أي حال كان من الإخبار والأمر وغيره خلافا لشذوذ لا يؤبه لهم في تخصيصه الخبر .
ويدل على جواز ذلك الشرع والمعقول .
أما الشرع ، فوقوع ذلك في كتاب الله - تعالى - كقوله - تعالى - : (
الله خالق كل شيء ) ، و (
وهو على كل شيء قدير ) ، وليس خالقا لذاته ولا قادرا عليها وهي شيء .
وقوله ، تعالى : (
ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ) ، وقد أتت على الأرض والجبال ولم تجعلها رميما .
وقوله - تعالى - : (
تدمر كل شيء ) ، ( أوتيت من كل شيء ) إلى غير ذلك من الآيات الخبرية المخصصة حتى إنه قد قيل : لم يرد عام إلا وهو مخصص إلا في قوله ، تعالى : (
وهو بكل شيء عليم ) ، ولو لم يكن ذلك جائزا لما وقع في الكتاب .
[ ص: 283 ] وأما المعقول فهو أنه لا معنى لتخصص العموم سوى صرف اللفظ عن جهة العموم الذي هو حقيقة فيه إلى جهة الخصوص بطريق المجاز كما سبق تقريره ، والتجوز غير ممتنع في ذاته .
ولهذا لو قدرنا وقوعه لم يلزم المحال عنه لذاته ، ولا بالنظر إلى وضع اللغة .
ولهذا يصح من اللغوي أن يقول : جاءني كل أهل البلد ، وإن تخلف عنه بعضهم ، ولا بالنظر إلى الداعي إلى ذلك ، والأصل عدم كل مانع سوى ذلك ، ويدل على جواز
تخصيص الأوامر العامة ، وإن لم نعرف فيها خلافا قوله - تعالى - : ( اقتلوا المشركين ) مع خروج أهل الذمة عنه ، وقوله - تعالى - : (
والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) ، و (
الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) مع أنه ليس كل سارق يقطع ، ولا كل زان يجلد ، وقوله - تعالى - : (
يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) مع خروج الكافر والرقيق والقاتل عنه .
فإن قيل : القول بجواز تخصيص الخبر مما يوجب الكذب في الخبر لما فيه من مخالفة المخبر للخبر ، وهو غير جائز على الشارع كما في نسخ الخبر .
قلنا : لا نسلم لزوم الكذب ، ولا وهم الكذب ، بتقدير إرادة جهة المجاز ، وقيام الدليل على ذلك .
وإلا كان القائل إذا قال : " رأيت أسدا " وأراد به الإنسان أن يكون كاذبا إذا تبينا أنه لم يرد الأسد الحقيقي ، وليس كذلك بالإجماع .
وعلى هذا فلا نسلم امتناع نسخ الخبر كما سيأتي تقريره
>[1] .