[ ص: 286 ] الصنف الخامس في أدلة تخصيص العموم
وهي قسمان : متصلة ومنفصلة
القسم الأول : في الأدلة المتصلة
وهي أربعة أنواع : الاستثناء ، والشرط ، والصفة ، والغاية
النوع الأول : الاستثناء
وفيه مقدمة ومسائل : أما المقدمة ففي معنى الاستثناء وصيغه وأقسامه .
أما
الاستثناء : فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : هو قول ذو صيغ مخصوصة محصورة دال على أن المذكور به لم يرد بالقول الأول ، وهو باطل من وجهين : الأول : أنه ينتقض بآحاد الاستثناءات كقولنا : جاء القوم إلا زيدا ، فإنه استثناء حقيقة ، وليس بذي صيغ ، بل صيغة واحدة وهي إلا زيدا .
الثاني : أنه يبطل بالأقوال الموجبة لتخصيص العموم الخارجة عن الاستثناء ، فإنها صيغ مخصوصة وهي محصورة لاستحالة القول بعدم النهاية في الألفاظ الدالة ، وهي دالة على أن المذكور بها لم يرد بالقول الأول ، وليست من الاستثناء في شيء ، وذلك كما لو قال القائل : رأيت أهل البلد ، ولم أر زيدا ، واقتلوا المشركين ، ولا تقتلوا أهل الذمة ، ومن دخل داري فأكرمه ، والفاسق منهم أهنه ، وأهل البلد كلهم علماء وزيد جاهل ، إلى غير ذلك .
وقال بعض المتبحرين من النحاة : الاستثناء إخراج بعض الجملة عن الجملة بلفظ ( إلا ) أو ما يقوم مقامه ، وهو منتقض بقول القائل : رأيت أهل البلد ولم أر زيدا ، فإنه قائم مقام قوله : إلا زيدا في إخراج بعض الجملة عن الجملة ، وليس باستثناء .
[ ص: 287 ] وقيل : إنه عبارة عما لا يدخل في الكلام إلا لإخراج بعضه بلفظ ( إلا ) ولا يستقل بنفسه ، وهو أيضا مدخول من وجهين : الأول : أن الاستثناء لا لإخراج بعض الكلام ، وإنما يكون إخراجا لبعض ما دل عليه الكلام الأول ، وفرق بين الأمرين .
الثاني : أنه لو قال القائل : جاء القوم غير زيد ، فإنه استثناء مع أن لفظة ( غير ) قد وجد فيها جميع ما ذكروه من القيود سوى قوله : لا يدخل في الكلام إلا لإخراج بعضه .
فإن ( غير ) قد يدخل في الكلام لغرض النعتية إذا لم يجز في موضعها ( إلا ) كقولك : عندي درهم غير جيد ، فإنه لا يحسن أن تقول في موضعها : عندي درهم إلا جيدا فلا جرم كانت نعتا للدرهم وتابعة له في إعرابه .
وهذا بخلاف ما إذا قلت : عندي درهم غير قيراط ، فإن ( غير ) تكون استثنائية منصوبة لإمكان دخول ( إلا ) في موضعها .
ويمكن أن يقال هاهنا : إن النعتية ليست استثنائية فلا ترد على الحد .
والمختار في ذلك أن يقال : الاستثناء عبارة عن لفظ متصل بجملة لا يستقل بنفسه دال بحرف ( إلا ) أو أخواتها على أن مدلوله غير مراد مما اتصل به ، ليس بشرط ولا صفة ولا غاية .
فقولنا : ( لفظ ) احتراز عن الدلالات العقلية والحسية الموجبة للتخصيص .
وقولنا : ( متصل بجملة ) احتراز عن الدلائل المنفصلة .
وقولنا : ( ولا يستقل بنفسه ) احتراز عن مثل قولنا : قام القوم وزيد لم يقم ، وقولنا : ( دال ) احتراز عن الصيغ المهملة .
وقولنا : ( على أن مدلوله غير مراد مما اتصل به ) احتراز عن الأسماء المؤكدة والنعتية .
كقول القائل : جاءني القوم العلماء كلهم .
وقولنا : ( بحرف ( إلا ) أو أخواتها ) احتراز عن قولنا : قام القوم دون زيد ، وفيه احتراز عن أكثر الإلزامات السابق ذكرها .
وقولنا : ( ليس بشرط ) احتراز عن قول القائل لعبده : من دخل داري فأكرمه إن كان مسلما ، وقولنا : ( ليس بصفة ) احتراز من قول القائل : جاءني بنو تميم الطوال .
[ ص: 288 ] وقولنا : ( ليس بغاية ) احتراز عن قول القائل لعبده : ( أكرم بني تميم أبدا إلى أن يدخلوا الدار ) وهذا الحد مطرد منعكس لا غبار عليه .
وإذا عرف معنى الاستثناء فصيغه كثيرة ، وهي إلا وغير وسوى وخلا وحاشا وعدا وما عدا وما خلا ، وليس ولا يكون ونحوه .
وأم الباب في هذه الصيغ ( إلا ) لكونها حرفا مطلقا ، ولوقوعها في جميع أبواب الاستثناء لا غير .
ولها أحكام مختلفة في الإعراب مستقصاة في كتب أهل الأدب ، لا مناسبة لذكرها فيما نحن فيه كما قد فعله من غلب عليه حب العربية .
وهو منقسم إلى الاستثناء من الجنس ، ومن غير الجنس كما يأتي تحقيقه عن قريب إن شاء الله - تعالى - .
ويجوز أن يكون متأخرا عن المستثنى منه كما ذكرناه من الأمثلة ، وأن يكون متقدما عليه مع الاتصال كقولك : خرج إلا زيدا القوم ، ومنه قول الكميت :
فما لي إلا آل أحمد شيعة وما لي إلا مذهب الحق مذهب
.
>[1] ويجوز
الاستثناء من الاستثناء من غير خلاف كقول القائل : له علي عشرة دراهم إلا أربعة إلا اثنين ، ويدل عليه قوله - تعالى - : (
إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ) إلى قوله : (
إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته ) استثنى آل
لوط من أهل القرية ، واستثنى المرأة من الآل المنجين من الهلاك .
وهذا ما أردنا ذكره من المقدمة .
وأما المسائل فخمس :