[ ص: 334 ] المسألة الحادية عشرة
إذا كان من عادة المخاطبين تناول طعام خاص فورد خطاب عام بتحريم الطعام كقوله : حرمت عليكم الطعام فقد اتفق الجمهور من العلماء على عمومه في تحريم كل طعام على وجه يدخل فيه المعتاد وغيره ، وإن العادة لا تكون منزلة للعموم على تحريم المعتاد دون غيره ، خلافا
لأبي حنيفة ، وذلك لأن الحجة إنما هي في اللفظ الوارد ، وهو مستغرق لكل مطعوم بلفظه ولا ارتباط له بالعوائد ، وهو حاكم على العوائد فلا تكون العوائد حاكمة عليه .
فإن قيل : إذا منعتم من تجويز تخصيص العموم بالعادة وتنزيل لفظ الطعام على ما هو المعتاد المتعارف عند المخاطبين فما الفرق بينه وبين تخصيص اللفظ ببعض مسمياته في اللغة بالعادة ؟ وذلك كتخصيص اسم الدابة بذوات الأربع ، وإن كان لفظ الدابة عاما في كل ما يدب ، وكتخصيص اسم الثمن في البيع بالنقد الغالب في البلد حتى إنه لا يفهم من إطلاق لفظ الدابة والثمن غير ذوات الأربع ، والنقد الغالب في البلد .
قلنا : الفرق بين الأمرين أن العادة في محل النزاع إنما هي مطردة في اعتياد أكل ذلك الطعام المخصوص لا في تخصيص اسم الطعام بذلك الطعام الخاص ، فلا يكون ذلك قاضيا على ما اقتضاه عموم لفظ الطعام مع بقائه على الوضع الأصلي ، وهذا بخلاف لفظ الدابة ، فإنه صار بعرف الاستعمال ظاهرا في ذوات الأربع وضعا ، حتى إنه لا يفهم من إطلاق الدابة غير ذوات الأربع ، فكان قاضيا على الاستعمال الأصلي حتى إنه لو كانت العادة في الطعام المعتاد أكله قد خصصت بعرف الاستعمال اسم الطعام بذلك الطعام ، لكان لفظ الطعام منزلا عليه دون غيره ضرورة تنزيل مخاطبة الشارع للعرب ، على ما هو المفهوم لهم من لغتهم ، وفيه دقة مع وضوحه .