[ ص: 31 ] المسألة الثالثة
هل يجب أن
يكون البيان مساويا للمبين في القوة ، أو يجوز أن يكون أدنى منه ، قال
الكرخي : لا بد من المساواة ، وقال
أبو الحسين البصري : يجوز أن يكون أدنى منه .
وهل يجب أن
يكون مساويا للمبين في الحكم ؟ فمنهم من قال به ، ومنهم من نفاه .
والمختار في ذلك أن يقال : أما المساواة في القوة ، فالواجب أن يقال : إن كان المبين مجملا ، كفى في تعيين أحد احتماليه أدنى ما يفيد الترجيح ، وإن كان عاما أو مطلقا ، فلا بد وأن يكون المخصص والمقيد في دلالته أقوى من دلالة العام على صورة التخصيص ، ودلالة المطلق على صورة التقييد ، وإلا فلو كان مساويا لزم الوقف
>[1] ولو كان مرجوحا لزم منه إلغاء الراجح بالمرجوح ، وهو ممتنع .
وأما المساواة بينهما في الحكم فغير واجب ، وذلك لأنه لو كان ما دل عليه البيان من الحكم هو ما دل عليه المبين ، لم يكن أحدهما بيانا للآخر .
وإنما يكون أحد الأمرين بيانا للآخر ، إذا كان دالا على صفة مدلول الآخر ، لا على مدلوله ، ومع ذلك فلا اتحاد في الحكم .
فإن قيل : المراد من الاتحاد في الحكم أنه إن كان حكم المبين واجبا كان بيانه واجبا ، وإن لم يكن واجبا لم يكن البيان واجبا .
قلنا : لا يخلو إما أن لا تكون الحاجة داعية إلى البيان في الحال ، أو هي داعية فإن كان الأول : فالبيان غير واجب على ما سيأتي ، وسواء كان حكم المبين واجبا أو لم يكن .
وإن كان الثاني فعلى قولنا بجواز التكليف بما لا يطاق على ما تقرر .
>[2] فالبيان أيضا لا يكون واجبا ، وإن كان الحكم المبين واجبا .
[ ص: 32 ] وأما إذا قلنا بامتناع التكليف بما لا يطاق فالحق ما قالوه ، وذلك لأنه إذا كان المبين واجبا ، فلو لم يكن البيان واجبا لجاز تركه ، ويلزم من ذلك التكليف بما لا يطاق ، وهو خلاف الفرض .
وإذا كان المبين غير واجب ، فالقول بعدم إيجاب البيان لا يفضي إلى التكليف بما لا يطاق إذ لا تكليف فيما ليس بواجب ، لأن ما لا يكون واجب الفعل ، ولا واجب الترك ، فهو إما مندوب ، أو مباح ، أو مكروه .
وكل واحد من هذه الأقسام الثلاثة لا تكليف فيه على ما تقدم .
>[3] ولا يلزم من القول بالوجوب حذرا من تكليف ما لا يطاق الوجوب مع عدم التكليف أصلا ، اللهم إلا أن ينظر إلى التكليف بوجوب اعتقاده على ما هو عليه من إباحة أو ندب أو كراهة ، فيكون من القسم الأول .