[ ص: 52 ] الصنف التاسع في الظاهر وتأويله
ويشتمل على مقدمة ومسائل .
أما المقدمة : ففي
تحقيق معنى الظاهر والتأويل .
أما الظاهر فهو في اللغة عبارة عن الواضح المنكشف ومنه يقال : ظهر الأمر الفلاني ، إذا اتضح وانكشف ، وفي لسان المتشرعة قال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : اللفظ الظاهر هو الذي يغلب على الظن فهم معنى منه من غير قطع ، وهو غير جامع مع اشتماله على زيادة مستغنى عنها .
أما أنه غير جامع ، فلأنه يخرج منه ما فيه أصل الظن دون غلبة الظن مع كونه ظاهرا .
ولهذا يفرق بين قول القائل : ظن ، وغلبة ظن ، ولأن غلبة الظن ما فيه أصل الظن وزيادة .
وأما اشتماله على الزيادة المستغنى عنها فهي قوله : ( من غير قطع ) فإن من ضرورة كونه مفيدا للظن أن لا يكون قطعيا .
والحق في ذلك أن يقال : اللفظ الظاهر ما دل على معنى بالوضع الأصلي ، أو العرفي ، ويحتمل غيره احتمالا مرجوحا .
وإنما قلنا ( ما دل على معنى بالوضع الأصلي أو العرفي ) احترازا عن دلالته على المعنى الثاني ، إذا لم يصر عرفيا ، كلفظ الأسد في الإنسان وغيره .
وقولنا ( ويحتمل غيره ) احتراز عن القاطع الذي لا يحتمل التأويل .
وقولنا ( احتمالا مرجوحا ) احتراز عن الألفاظ المشتركة .
وهو منقسم إلى ما هو ظاهر بحكم الوضع الأصلي ، كإطلاق لفظ الأسد بإزاء الحيوان المخصوص ، وإلى ما هو ظاهر بحكم عرف الاستعمال ، كإطلاق لفظ الغائط بإزاء الخارج المخصوص من الإنسان .
وأما التأويل ففي اللغة مأخوذ من آل يئول ، أي رجع ، ومنه قوله تعالى (
وابتغاء تأويله ) أي ما يئول إليه ، ومنه يقال : تأول فلان الآية الفلانية ، أي نظر إلى ما يئول إليه معناها .
وأما في اصطلاح المتشرعة قال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : التأويل عبارة عن احتمال يعضده دليل يصير به أغلب على الظن من المعنى الذي دل عليه الظاهر ، وهو غير صحيح
[ ص: 53 ] أما أولا ، فلأن التأويل ليس هو نفس الاحتمال الذي حمل اللفظ عليه ، بل هو نفس حمل اللفظ عليه ، وفرق بين الأمرين ، وأما ثانيا : فلأنه غير جامع فإنه يخرج منه التأويل بصرف اللفظ عما هو ظاهر فيه إلى غيره بدليل قاطع غير ظني ، حيث قال : يعضده دليل يصير به أغلب على الظن من المعنى الذي دل عليه الظاهر ، وأما ثالثا : فلأنه أخذ في حد التأويل من حيث هو تأويل ، وهو أعم من التأويل بدليل ، ولهذا يقال تأويل بدليل وتأويل من غير دليل .
فتعريف التأويل على وجه يوجد معه الاعتضاد بالدليل لا يكون تعريفا للتأويل المطلق ، اللهم إلا أن يقال : إنما أراد
تعريف التأويل الصحيح دون غيره .
والحق في ذلك أن يقال : أما التأويل من حيث هو تأويل مع قطع النظر عن الصحة والبطلان ، هو حمل اللفظ على غير مدلوله الظاهر منه ، مع احتماله له .
وأما التأويل المقبول الصحيح فهو حمل اللفظ على غير مدلوله الظاهر منه مع احتماله له بدليل يعضده .
وإنما قلنا ( حمل اللفظ على غير مدلوله ) احترازا ، عن حمله على نفس مدلوله .
وقولنا ( الظاهر منه ) احتراز عن صرف اللفظ المشترك من أحد مدلوليه إلى الآخر فإنه لا يسمى تأويلا .
وقولنا ( مع احتماله له ) احتراز عما إذا صرف اللفظ عن مدلوله الظاهر إلى ما لا يحتمله أصلا ، فإنه لا يكون تأويلا صحيحا .
وقولنا : ( بدليل يعضده ) احتراز عن التأويل من غير دليل ، فإنه لا يكون تأويلا صحيحا أيضا .
وقولنا : ( بدليل يعم القاطع والظني ) وعلى هذا فالتأويل لا يتطرق إلى النص ولا إلى المجمل ، وإنما يتطرق إلى ما كان ظاهرا .
>[1] وإذا عرف معنى التأويل فهو مقبول معمول به إذا تحقق مع شروطه ، ولم يزل علماء الأمصار في كل عصر من عهد الصحابة إلى زمننا عاملين به من غير نكير .
[ ص: 54 ] وشروطه أن يكون الناظر المتأول أهلا لذلك ، وأن يكون
اللفظ قابلا لتأويل بأن يكون اللفظ ظاهرا فيما صرف عنه محتملا لما صرف إليه ، وأن يكون
الدليل الصارف للفظ عن مدلوله الظاهر راجحا على ظهور اللفظ في مدلوله ليتحقق صرفه عنه إلى غيره ، وإلا فبتقدير أن يكون مرجوحا لا يكون صارفا ولا معمولا به اتفاقا ، وإن كان مساويا لظهور اللفظ في الدلالة من غير ترجيح ، فغايته إيجاب التردد بين الاحتمالين على السوية ، ولا يكون ذلك تأويلا غير أنه يكتفى بذلك من المعترض إذا كان قصده إيقاف دلالة المستدل ، ولا يكتفى به من المستدل دون ظهوره ، وعلى حسب قوة الظهور وضعفه وتوسطه يجب أن يكون التأويل .
وتمام كشف ذلك بمسائل ثمان :