[ ص: 144 ] المسألة السابعة
فيما يتعلق بنسخ
الأخبار
والنسخ : إما أن يكون لنسخ الخبر أو لمدلوله وثمرته :
فإن كان الأول : فإما أن تنسخ تلاوته أو تكليفنا به بأن نكون قد كلفنا أن نخبر بشيء فينسخ عنا التكليف بذلك الإخبار ، وكل واحد من الأمرين جائز من غير خلاف بين القائلين بجواز النسخ ، وسواء كان ما نسخت تلاوته ماضيا أو مستقبلا ، وسواء كان ما نسخ تكليف الإخبار به مما لا يتغير مدلوله ، كالإخبار بوجود الله تعالى وحدوث العالم .
أو يتغير كالإخبار بكفر زيد وإيمانه ، لأن كل ذلك حكم من الأحكام الشرعية فجاز أن يكون مصلحة في وقت ، ومفسدة في وقت آخر .
لكن هل يجوز أن ينسخ تكلفنا بالإخبار عما لا يتغير ، بتكليفنا بالإخبار بنقيضه .
قالت
المعتزلة : لا يجوز لأنه كذب ، والتكليف بالكذب قبيح ، وهو غير متصور من الشارع ، وهو مبني على أصولهم في التحسين والتقبيح العقلي ووجوب رعاية المصلحة في أفعال الله تعالى ، وقد أبطلناه .
وعلى هذا ، فلا مانع من نسخ التكليف بالخبر بنقيض الخبر .
وأما إن كان النسخ لمدلول الخبر وفائدته ، فذلك المدلول إما أن يكون مما لا يتغير كمدلول الخبر بوجود الإله سبحانه وحدوث العالم ، أو مما يتغير :
فإن كان الأول فنسخه محال بالإجماع .
وأما إن كان مدلوله مما يتغير ، وسواء كان ماضيا كالإخبار بما وجد من إيمان زيد وكفره ، أو مستقبلا وسواء كان وعدا أو وعيدا ، أو حكما شرعيا فقد اختلف في رفعه ونسخه .
فذهب
القاضي أبو بكر والجبائي وأبو هاشم وجماعة من المتكلمين والفقهاء إلى امتناع رفعه .
وذهب
أبو عبد الله البصري nindex.php?page=showalam&ids=14959والقاضي عبد الجبار وأبو الحسين البصري إلى جوازه ، ومنهم من فصل بين الخبر الماضي والمستقبل فمنعه في الماضي وجوزه في المستقبل .
[ ص: 145 ] والمختار جوازه ماضيا كان أو مستقبلا ، وذلك لأنه إذا ما دل عليه كان الإخبار متكررا والخبر عام فيه ، فأمكن أن يكون الناسخ مبينا لإخراج بعض ما تناوله اللفظ ، وأن المراد بعض ذلك المذكور ، كما في الأوامر والنواهي .
فإن قيل : الفرق بين الخبر وبين الأمر والنهي أن نسخ الخبر يؤذن بكونه كذبا ، ولهذا فإنه لو قال : " أهلك الله زيدا " ثم قال : " ما أهلك الله زيدا " كان كذبا بخلاف الأمر والنهي ، وإن سلمنا إمكان نسخ مدلول الخبر ، لكن إذا كان مدلوله حكما شرعيا تكليفا ، أما إذا لم يكن كذلك فلا ؛ وذلك لأنه إذا كان حكمه تكليفا كان الخبر في معنى الأمر والنهي . والأمر يجوز نسخ حكمه كما لو قال : " أمرتكم ونهيتكم وأوجبت عليكم " بخلاف ما إذا لم يكن كذلك .
والجواب عن الأول : أن ذلك إنما يفضي إلى الكذب إن لو لم يمكن حمل الناسخ على غير ما أريد من الخبر ، وليس الأمر كذلك على ما حققناه ، وأما إذا قال : ( أهلك الله زيدا ) فإهلاكه إنما لم يدخله النسخ ; لأنه لا يتكرر حتى يمكن رفع بعضه وتبقية البعض ، بل إنما يقع دفعة واحدة ، فلو أخبر عن عدمه مع اتحاده كان كذبا لاتحاد المثبت والمنفي .
وعن الثاني : أنهم إن أرادوا بقولهم إن الخبر بالحكم الشرعي في معنى الأمر ، أن صيغته كصيغته فهو خلاف الحسن
>[1] وإن أرادوا به أنه يفيد إيجاب الفعل كما في الأمر ، فمسلم ولكن لا يلزم أن يكون هو هو ، فإنه لا يلزم من اشتراك شيئين مختلفين في لازم واحد عام لهما - اتحادهما .
وغايته تسليم نسخ مدلول بعض الأخبار ، وليس فيه ما يدل على امتناع نسخ غيره مع ما قد بينا .