(33) الثالث والثلاثون من شعب الإيمان " وهو باب في
تعديد نعم الله عز وجل وما يجب من شكرها "
قال الله عز وجل فيما عدد على عباده من نعمه ونبههم بذلك على ما يلزمهم من عبادته تعظيما له وشكرا
(
يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ) .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14164الحليمي رحمه الله : " وهذا يحتمل معنيين : أحدهما : اعبدوه ولا تغفلوا عن عبادته فإن من حقه عليكم أن تعبدوه إذ كان خلقكم وهو يرزقكم وينعم عليكم " .
قال الشيخ : " وقد أمركم بعبادته فصارت واجبة عليكم بأمره " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14164الحليمي : " والآخر اعبدوه دون غيره ، فإن خلقكم وخلق من قبلكم ، إنما كان منه لا من غيره ، فلا تجعلوا له ندا ، وأخلصوا العبادة له ، ولا تسموا باسمه ، وهو لا إله غيره .
ثم إن الله عز وجل بين بما عدد من نعمه على الناس ما يلزمهم بها من تعظيمه أولا ، ثم شكره على ما ابتدأه به منها " .
قال الشيخ
أحمد : " قوله ما يلزمهم بها يريد ما يلزمهم بسببها ثم اللزوم وقع بالأمر ، ألا تراه احتج بالآية : ولو قال ما يلزمهم فيها بأمره من تعظيمه أولا ، ثم شكره على ما ابتدأهم به منها ، لكان أصوب .
[ ص: 206 ] قال فقال : (
اعبدوا ربكم الذي خلقكم ) فكان أول ما ذكر من نعمه خلقه إياهم وهذه والله أعلم إشارة إلى نفس الخلق بهيئته الذي أولاها الحياة ثم العقل لأن الحي بالعقل يعلم نفسه ويعلم غيره ويعلم فاعله ويميز بين الشيء وضده " . قال
أحمد : " إذا ساعده التوفيق .
ثم الحواس الخمس التي هي مشاعر ضرورته وهي السمع الذي يدرك به الأصوات والبصر الذي يدرك به الألوان والشم الذي يدرك به الروائح واللمس الذي يدرك به خشونة الشيء ولينه والطعم الذي يدرك به مرارة الشيء وحموضته وحلاوته .
وقد ذكر الله تعالى هذه النعم في غير هذه الآية فقال (
قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون )
وقال : (
والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون )
أي إنما جعل لكم هذه المنافع ، لتشكروه ومعنى تشكروه : تستعملونها في طاعته خاصة ولا تستعملونها في معاصيه " .
قال الشيخ
أحمد (رحمه الله) : " ثم له في كل عضو من أعضاء بني آدم نعمة لا يقوم أحد بشكرها إلا بتوفيقه ومن شكرها المعرفة بأنها من الله جل ثناؤه ثم استعمالها في طاعة الله دون معصيته ، وبالله التوفيق .
ثم إن
الله عز وجل يخلق الإنسان مستويا معتدلا منتصب القامة لا منكسا كالبهائم . قال الله عز وجل : (
لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )
قيل منتصب القامة شاخص الرأس والوجه . وقال : (
ولقد كرمنا بني آدم )
[ ص: 207 ] فقيل من تكريمه أن جعله يأكل بيده ولا يحوجه إلى أن يأخذ الطعام من الأرض بفمه ثم ذكر
من نعم الله تعالى على الناس أنه أعطاهم البيان باللسان وبالقلم ، قال الله عز وجل : (
الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان )
وقال : (
اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم )
ثم بسط الكلام فيه مما فيها وفي الحواس من إدراك الوحي وتيسير ذكر الله عز وجل قال ومما أنعم الله سبحانه على الناس في هيئته خلقهم أن جرد أبدانهم عن الشعور التي جعلها سترة لأبدان البهائم والسباع والطيور وأيديهم وأرجلهم عن المخالب وبسط الكلام فيه " .
قال الشيخ
أحمد : " ومن نعمه عليهم وعلى سائر الحيوانات تسويغ الطعام وإخراج فضله عن مخرجه " .
ثم ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14164الحليمي رحمه الله من نعمه على عباده أن جعلهم ينامون فيستريحون بالنوم من أذى الإعياء والنصب وتطيب به نفوسهم ، قال الله عز وجل : (
وجعلنا نومكم سباتا ) .
يعني راحة لأبدانكم ثم هو ينقسم إلى محبوب مرغب فيه وإلى مكروه منزه عنه .
وقد ذكرت في كتاب السنن بعض ذلك وسأعيد ذكره في آخر هذا الباب أو بعض ما يستدل به على ذلك إن شاء الله .
ثم ذكر ما في الرؤيا من الإرشاد والتعليم ثم ذكر ما أنعم الله تعالى على عباده من تعليمهم الصناعات والحرف وجعلها لهم مصالح ومكاسب وتفريقها بينهم حتى لا يجتمع على واحد فلا يتفرع منها إلى عباده ، فجعل واحدا يحرث ، وآخر يحصد ، وواحدا يغزل ، وآخر ينسج ، وواحدا يتجر ، وآخر يصوغ - حتى إذا اشتغل كل
[ ص: 208 ] واحد منهم بشغل نجحت الأشغال بما حصل من التظاهر عليها .
قال الله عز وجل : (
نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا )
ثم ذكر ما وضع الله تعالى في الأرض والسماء من منافع الخلق ، وما في ذلك من منافع بني آدم ، وذكر فوائد كل نوع من أنواعها .
ثم ذكر
من نعمه إرسال الرسل لتعليمهم بما يجهلون وذكر تخصيص هذه الأمة بأفضلهم صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين . من أراد الوقوف على ذلك ببسطه رجع إلى كتابه إن شاء الله تعالى .
وأول ما يجب على الشاكر أن يذكر نعمة الله عليه ، قال الله عز وجل في مواضع من كتابه : (
اذكروا نعمة الله عليكم )
والإذكار بالنعمة لا يكون إلا لاستدعاء الشكر واستقصار المنعم عليه فيه ثم نص على الأمر بالشكر فقال (
واشكروا لي ولا تكفرون )
وقال : (
اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور ) إلى سائر ما ورد في القرآن في هذا المعنى ، فإذا حصلت النعمة مذكورة فالشكر لها يختلف .
فمنها : اعتقاد أن الله عز وجل قد أنعم فأكثر وأجزل وأن كل ما بنا من نعمة فمنه لا من الكواكب ، وأن كل ذلك فضل منه وامتنان ، وإنا وإن اجتهدنا لم نؤد شكرها ولم نقدرها حق قدرها .
[ ص: 209 ] ومنها الثناء على الله عز وجل وحمده وإظهار ما في القلب من حقوق هذه النعم باللسان والجمع فيها بين الاعتقاد والاعتراف كما كذلك في الإيمان .
ومنها : الاجتهاد في إقامة طاعته فعلا بما أمر به وكفا عما نهى عنه فإن ذلك هو الذي يقتضيه تعظيمه ولا تعظيم كالطاعة .
ومنها : أن يكون العبد مشفقا في عامة أحواله من زوال نعم الله تعالى عنه وجلا من مفارقتها إياه مستعيذا بالله تعالى من ذلك ، سائلا إياه ، متضرعا إليه ، أن يديمها له ، ولا يزيلها عنه .
ومنها : أن ينفق مما آتاه الله في سبيل الله ويواسي منه أهل الحاجة ويعمر المساجد والقناطير ولا يدع بابا من أبواب الخير إلا أتاه وأظهر من نفسه أثرا جميلا ثم إن كان عنده فضل فأنفق على نفسه أكثر مما يحتاج إليه فأكل لونين ولبس ثوبين واستخدم عبدين وركب دابتين وافترش جاريتين وغرضه من ذلك إظهار فضل الله تعالى ليخرج به من حكم الكاتم دون المباهاة والمكاثرة فلا بأس بذلك وإظهاره بالمواساة أحسن .
ومنها : أن لا يفخر بما آتاه الله على غيره ولا يتبذخ ولا يتصلف ولا يزهو ولا يتكبر قال الله عز وجل : (
إن الله لا يحب كل مختال فخور ) .