4 - قد تقدم الكتاب النظامي ، محتويا على العجب العجاب ، ومنطويا على لباب الألباب ، أحدوثة على كر العصر ، وغرة في جبهة الدهر ، يعشو إلى منارها المرتبك في الشبهات ، ويلوذ بآثارها المنسلك في مثار المتاهات ، ويقتدي بنجومها المترقي عن مهاوي الورطات ، وينخنس برجومها المتعثر في أذيال الضلالات ، ووافى الجناب الأسمى عروسا ، احتضنها طب بالحضانة ، قد
[ ص: 8 ] استوظف في القيام عليها زمانه ، فلم يزل يقوم قدها ، ويورد خدها ، ويكحل بالبصائر أحداقها ، ويشق إلى صوب البدائع والذخائر آماقها ، ويرصف دررها وعقيانها ، ويشنف بقرطة الحقائق آذانها ، وينطق بغرر الكلام لسانها ، ويطوق بجواهر الحكم جيدها ، ويزين مخنقها ووريدها ، ويديم فركها ، ويلين عريكها ، ويقرب متناولها ودركها ، ويلقنها مقة خاطبها ، ويلقي إليها الإقران لصاحب الدنيا وصاحبها ، فنشأت غيداء مياسة مروضة ، والمقلة المتطلعة إلى خفايا العيوب عنها مغضوضة ، وظلت تتشوق إلى مخيم العزة شوقا ، وتطير إليه بأجنحة الهزة توقا ، فبرزت عن حجالها مختالة في أذيالها ، متوشحة بأبهة البهاء . مشتقا اسمها من اسم أكرم الأكفاء . والألقاب تنزل من السماء ، وجزعت إلى مثواها سباسب ورمالا ، وواصلت في
[ ص: 9 ] صمد مولاها غدوات وآصالا ، وقطعت من مطاياها أوصالا ، فصادفت مرتعا خصيبا ، ومربعا رحيبا ، وشأوا في العلا بعيدا ، وكرما قريبا ، ودلت بمعانيها على عناء معانيها ، وبمناظم مبانيها على غناء بانيها ، ثم أخذت تستعطف أعنة العطف ، وتثني أزمة اللطف ، على صاحب التأليف والرصف ، وذكرت أنه يبغي تنويها ومنصبا عليا نبيها ، ويفوق مناط العيوق زهوا وتيها ، فما كان إلا كإيماضة سيف ، أو انقشاع سحابة في صيف ، أو نفضة ردن ، أو طنة أذن ، حتى طغت من بحار المعالي أمواجها ، وتشامخت من أطواد الكرم شعابها وفجاجها ، فوافت الخلعة تجر على قمة المجرة فضول الذيل ، وتبر على نهايات المنى بأوفى الكيل ، وتجرف مجاثم العسر كدفاع السيل ، واكتسب الخادم
[ ص: 10 ] شرفا يتخلد في تواريخ الأخبار ، ويكتب بسواد الليل على بياض النهار ، وأعذب النعم مشارع ، وأخصبها مراتع ، نعمة أجابت قبل الندا ، ولبت قبل الدعا ، وليس من ينتجع الغيث في أقطاره ، كمن يسقيه ريق الوبل في دياره ، ولو لم أجد أمر الله عباده بالشكر على نعمه التي لا تعد ولا تحد أسوة ومقتدى ، لقلت من شكر أدنى منح مولانا ، فقد ظلم واعتدى ، ولكن لا معاب على من اتخذ كتاب الله قدوة ومحتدى .
1 - فلا زال ركب المعتفين منيخة بذروتك العليا ، ولا زلت مقصدا .
2 - تدين لك الشم الأنوف تخضعا ولو أن زهر الأفق أبدت تمردا
[ ص: 11 ] 3 - لجاءتك أقطار السماء تجرها إليك لتعفو ، أو لتوردها الردى 4 - وإني لغرس أنت قدما غرسته وربيته حتى علا وتمددا 5 - لأنك أعلى الناس نفسا وهمة وأقربهم عرفا وأبعدهم مدى 6 - وأوراهمو زندا ، وأرواهمو ظبا وأسجاهمو بحرا ، وأسخاهمو يدا 7 -
وما أنا إلا دوحة قد غرستها وأسقيتها حتى تمادى بها المدى 8 - فلما اقشعر العود منها وصوحت
أتتك بأغصان لها تطلب الندى
.
[ ص: 12 ] - في الأصل في نسخة عوض هذا البيت : 9 -
فلما ذوت منه الغصون ، وصوحت وخاف ذبولا ، جاء يسألك الندى