صفحة جزء
173 - فصل

[ هل يحكم بإسلام الطفل المسبي ؟ ]

الجهة الثالثة : تبعية السابي ، فإذا سبي الطفل منفردا عن أبويه حكم بإسلامه لأنه صار تحت ولايته ، وانقطعت ولاية الأبوين عنه ، هذا مذهب الأئمة الأربعة ، وقال صاحب " المهذب " : في الحكم بإسلامه وجهان :

قال : وظاهر المذهب أنه لا يحكم بإسلامه .

وقال صاحب " الروضة " ، وشذ بهذا ، وليس بشيء ، والصواب - المقطوع به في كتب المذهب - الحكم بإسلامه ، قال : وإنما ذكرت هذا لئلا [ ص: 925 ] يغتر به ، فلو سباه ذمي لم نحكم بإسلامه .

وللشافعية وجهان هذا أحدهما .

والثاني : نحكم بإسلامه لأنه من أهل الدار .

قالوا : والصحيح أنه لا يحكم بإسلامه ؛ لأن كونه من أهل دار الإسلام لا يؤثر فيه ، ولا في أولاده ، قالوا : وعلى هذا ، لو باعه الذمي لمسلم لا يحكم بإسلامه أيضا ؛ لأن التبعية إنما تثبت في ابتداء السبي ، فإن سبي مع أبويه - أو مع أحدهما - فلأصحاب أحمد فيه طرق :

إحداها : أنه إن سبي مع أبويه فهو على دينهما ، وإن سبي مع أحدهما تبع سابيه ، وهذه طريقة أبي الخطاب وغيره .

والثانية : أنه إن سبي منفردا تبع سابيه ، وإن سبي مع أحد أبويه ففيه روايتان :

إحداهما : يتبع سابيه .

والثانية : يتبع من سبي معه ، وهي طريقة القاضي ، وأبي البركات وغيرهما .

الطريقة الثالثة : أن الروايتين في المسألتين أعني إذا سبي مع أبويه ، أو مع أحدهما : وهذه طريقة ابن أبي موسى .

[ ص: 926 ] وقالت المالكية : متى سبي مع أبيه تبعه ، وإن سبي منفردا ، أو مع أمه تبع سابيه .

وقال الحنفية : إذا سبي الطفل فما دام في دار الحرب ، فهو على دين أبويه ، فإن أدخل إلى دار الإسلام ، فإن كان معه أبواه ، أو أحدهما فهو على دينهما ، ولو مات الأبوان بعد ذلك فهو على ما كان ، وإن لم يكن معه واحد منهما حتى دخل دار الإسلام فهو مسلم تبعا للدار .

ولو أسلم أحد الأبوين في دار الحرب فالصبي مسلم بإسلامه ، كذلك لو أسلم في دار الإسلام ، ثم سبي الصبي بعده وصار في دار الإسلام فهو مسلم .

والصحيح في هذه المسائل أنه يحكم بإسلامه تبعا لسابيه مطلقا ، وهذا مذهب الأوزاعي ، وهو إحدى الروايات عن أحمد ؛ لأنه مولود على الفطرة ، وإنما حكم بكفره تبعا لأبويه لثبوت ولايتهما عليه ، فإذا انقطعت ولايتهما بالسباء عمل مقتضى الفطرة عمله إذ لم يبق له معارض فكيف يحكم بكفره ، وقد زال حكم الأبوية عنه ؟ وهو لم يصف الكفر ولم يعرفه ، وإنما كان كافرا تبعا لهما ، والمتبوع قد زال حكم استتباعه إذ لم يبق له تصرف في نفسه ، ولا ولاية على ولده ، ومن هاهنا قال الإمام أحمد ومن تبعه : إنه يحكم بإسلامه بموت الأبوين ، إذ عدمهما أقوى في زوال التبعية من سابيه ، منفردا عنهما ، أو معهما ، أو مع أحدهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية