بل
إنكار رسالته صلى الله عليه وسلم طعن في الرب تبارك وتعالى ، ونسبته له إلى الظلم والسفه ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، بل جحد للرب بالكلية وإنكار .
وبيان ذلك : أنه إذا كان
محمد عندهم ليس بنبي صادق ، بل ملك ظالم ، فقد تهيأ له أن يفتري على الله ويتقول عليه ، ويستمر حتى يحلل ويحرم ، ويفرض الفرائض ، ويشرع الشرائع ، وينسخ الملل ، ويضرب الرقاب ، ويقتل أتباع الرسل وهم أهل الحق ، ويسبي نساءهم ويغنم أموالهم وديارهم ، ويتم له ذلك حتى يفتح الأرض ، وينسب ذلك كله إلى أمر الله له به ومحبته له ، والرب تعالى يشاهده وهو يفعل بأهل الحق ، وهو مستمر في الافتراء عليه ثلاثا وعشرين سنة ، وهو مع ذلك كله يؤيده وينصره ، ويعلي أمره ، ويمكن له من أسباب
[ ص: 154 ] النصر الخارجة عن عادة البشر ، وأبلغ من ذلك أنه يجيب دعواته ، ويهلك أعداءه ، ويرفع له ذكره ، هذا وهو عندهم في غاية الكذب والافتراء والظلم ، فإنه لا أظلم ممن كذب على الله وأبطل شرائع أنبيائه وبدلها وقتل أولياءه ، واستمرت نصرته عليهم دائما ، والله تعالى يقره على ذلك ، ولا يأخذ منه باليمين ، ولا يقطع منه الوتين .
فيلزمهم أن يقولوا : لا صانع للعالم ولا مدبر ، ولو كان له مدبر قدير حكيم ، لأخذ على يديه ولقابله أعظم مقابلة ، وجعله نكالا للصالحين . إذ لا يليق بالملوك غير ذلك ، فكيف بملك الملوك وأحكم الحاكمين ؟ .
ولا ريب أن الله تعالى قد رفع له ذكره ، وأظهر دعوته والشهادة له بالنبوة على رؤوس الأشهاد في سائر البلاد ، ونحن لا ننكر أن كثيرا من الكذابين قام في الوجود ، وظهرت له شوكة ، ولكن لم يتم أمره ، ولم تطل مدته ، بل سلط الله عليه رسله وأتباعهم ، وقطعوا دابره واستأصلوه . هذه سنة الله التي قد خلت من قبل ، حتى إن الكفار يعلمون ذلك . قال تعالى :
أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين ( الطور : 30 - 31 ) . أفلا تراه يخبر أن كماله وحكمته وقدرته تأبى أن يقر من تقول عليه بعض الأقاويل ، لا بد أن يجعله عبرة لعباده كما جرت بذلك سنته في المتقولين عليه . وقال تعالى :
أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ( الشورى : 24 ) . وهنا انتهى جواب الشرط ، ثم أخبر خبرا جازما
[ ص: 155 ] غير معلق : أنه يمحو الباطل ويحق الحق . وقال تعالى :
وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ( الأنعام : 91 ) . فأخبر سبحانه أن من نفى عنه الإرسال والكلام لم يقدره حق قدره .