[ ص: 23 ] ( الثامن )
قال
الجلال السيوطي في الأوائل : أول من تفوه بكلمة خبيثة في الاعتقاد
nindex.php?page=showalam&ids=14005الجعد بن درهم مؤدب مروان الحمار آخر ملوك بني أمية ، فقال بأن الله - تعالى - لا يتكلم . قال
شيخ الإسلام في الرسالة الحموية الكبرى :
أصل فشو البدع بعد القرون الثلاثة ، وإن كان قد نبغ أصلها في أواخر عصر التابعين . قال : ثم أصل مقالة التعطيل للصفات إنما هو مأخوذ من تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين ، فإن أول من حفظ عنه أنه قال هذه المقالة في الإسلام هو
nindex.php?page=showalam&ids=14005الجعد بن درهم ، وأخذها عنه
nindex.php?page=showalam&ids=15658الجهم بن صفوان ، وأظهرها فنسبت إليه ، وقد قيل : إن
الجعد أخذ مقالته عن
أبان بن سمعان ، وأخذها
أبان عن
طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم . ( وأخذها
طالوت ، عن
لبيد بن الأعصم ) اليهودي الساحر ، الذي سحر النبي - صلى الله عليه وسلم ، وكان
الجعد هذا فيما قيل من أهل حران ، وكان فيهم خلق كثير من
الصابئة والفلاسفة بقايا أهل دين
النمرود والكنعانيين ، الذين صنف بعض الساحرين في سحرهم ،
والنمرود هو ملك
الصابئة ، كما أن
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى ملك
الفرس والمجوس ، فهو اسم جنس لا اسم علم . قال : وكانت
الصابئة إذ ذاك إلا قليلا منهم على الشرك ، وعلماؤهم
الفلاسفة ، وإن كان الصابئ قد لا يكون مشركا ، بل مؤمنا بالله واليوم الآخر كما قال - تعالى : (
إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ، لكن كثيرا منهم أو أكثرهم كانوا كفارا ومشركين ، وكانوا يعبدون الكواكب ، ويبنون لها الهياكل .
ومذهب النفاة الذين يقولون ليس له صفات إلا سلبية أو إضافية أو مركبة منهما ، وهم الذين بعث سيدنا
إبراهيم خليل الرحمن إليهم ، فيكون
الجعد أخذ عقيدته عن
الصابئة الفلاسفة ، وأخذها
الجهم أيضا - فيما ذكره الإمام
أحمد ، رضي الله عنه - عنه وعن غيره ، وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=14868أبو نصر الفارابي دخل
حران ، وأخذ عن
فلاسفة الصابئة تمام فلسفته ، لما ناظر السمنية بعض
فلاسفة الهند ، وهم
[ ص: 24 ] الذين يجحدون من العلوم ما سوى الحسيات ، فرجعت أسانيد
الجهم إلى اليهود
والصابئين والمشركين
والفلاسفة الضالين ، إما من
الصابئين ، وإما من المشركين ، فلما عربت الكتب الرومية زاد البلاء مع ما ألقى الشيطان في قلوب أهل الضلال ابتداء من جنس ما ألقاه في قلوب أشباههم .
ولما كان بعد المائة الثانية ، انتشرت هذه المقالة التي كان السلف يسمونها مقالة الجهمية ; بسبب
nindex.php?page=showalam&ids=15211بشر بن غياث المريسي وذويه . وكلام الأئمة مثل مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=16008وسفيان بن عيينة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك ،
وأبي يوسف ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وأحمد ،
وإسحاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=14919والفضيل بن عياض ،
nindex.php?page=showalam&ids=15531وبشر الحافي ، وغيرهم في هؤلاء في ذمهم وتضليلهم معروف ، وهذه التأويلات الموجودة اليوم بأيدي الناس مثل أكثر التأويلات التي ذكرها
nindex.php?page=showalam&ids=13428أبو بكر بن فورك في كتاب ( التأويلات ) ،
وأبو عبد الله محمد بن عمر الرازي في كتابه الذي سماه ( تأسيس التقديس ) ، ويوجد كثير منها في كلام خلق غير هؤلاء ، مثل
nindex.php?page=showalam&ids=13980أبي علي الجبائي ،
وعبد الجبار بن أحمد الهمذاني ،
وأبي الحسين البصري وغيرهم ، هي بعينها التأويلات التي ذكرها
nindex.php?page=showalam&ids=15211بشر المريسي في كتابه ، كما يعلم ذلك من كتاب الرد الذي صنفه
nindex.php?page=showalam&ids=14274عثمان بن سعيد الدارمي أحد الأئمة المشاهير في زمن
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وسمى كتابه ( رد
nindex.php?page=showalam&ids=16548عثمان بن سعيد على الكاذب العنيد ، فيما افترى من التوحيد ) ، فإنه حكى هذه التأويلات بأعيانها عن
nindex.php?page=showalam&ids=15211بشر المريسي ، ثم ردها بكلام إذا طالعه العاقل الذكي ، يسلم حقيقة ما كان عليه السلف ، ويتبين له ظهور الحجة لطريقهم ، وضعف حجة من خالفهم .
وقد أجمع أئمة الهدى على ذم
المريسية ، بل أكثرهم كفرهم وضللهم ، ويعلم بمطالعة كتاب
ابن سعيد الدارمي أن هذا القول الساري في هؤلاء المتأخرين الذين تسموا بالخلف هو مذهب
المريسية ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، فمذهب السلف حق بين باطلين ، وهدى بين ضلالين ، قال سيدنا الإمام
أحمد - رضي الله عنه : لا يوصف الله - تعالى - إلا بما وصف به نفسه ، ووصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - لا نتجاوز القرآن والحديث . قال
شيخ الإسلام ابن تيمية - روح الله روحه : مذهب السلف أنهم يصفون الله - تعالى - بما وصف به نفسه ، وبما وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من
[ ص: 25 ] غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل ، فالمعطل يعبد عدما ، والممثل يعبد صنما ، والمسلم يعبد إله الأرض والسماء . والله أعلم .