لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
تنبيهان :

هذه المسألة يترجمها بعض القوم بمسألة وعيد الفساق ، وبعضهم بمسألة عقوبة العصاة ، وبعضهم بمسألة انقطاع عذاب أهل الكبائر ، وضابطها أن يرتكب المؤمن كبيرة ؛ غير مكفر بلا استحلال ويموت بلا توبة ، وقد اختلف الناس في حكمه كما تقدم ، فأهل السنة لا يقطعون له بالعقوبة ولا بالعفو ، بل هو في مشيئة الله - تعالى - ، وإنما يقطعون بعدم الخلود في النار بمقتضى ما سبق من وعده وثبت بالدليل ، خلافا للمعتزلة في قولهم : نقطع له بالعذاب الدائم ، والبقاء المخلد في النار ، لكنه عندهم يعذب عذاب الفساق لا عذاب الكفار ، وأما الخوارج فعندهم أنه يعذب عذاب الكفار لكفره عندهم ، والدليل لمذهب أهل الحق الآيات والأحاديث الدالة على أن المؤمنين يدخلون الجنة ، فإن كان بعد العذاب ودخول النار فهي مسألة انقطاع العذاب ، وإن كان قبل ذلك فهي مسألة العفو التام ، قال - تعالى - : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة وقال - صلى الله عليه وسلم - : " من قال لا إله إلا الله دخل الجنة " وقال : " من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وإن زنى ، وإن سرق " وكقوله - صلى الله عليه وسلم - : " يخرج من النار قوم بعد ما امتحشوا وصاروا حمما وفحما ، فيفرقون على أنهار الجنة ويرش عليهم من مائها ، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل فيحيون ويعودون لحالهم الأولى وأحسن " وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان " ، وسيأتي تمام هذا بعد ، إن شاء الله - تعالى - .

التالي السابق


الخدمات العلمية