( ( ولم تزل فيما مضى الأنباء من فضله تأتي لمن يشاء ) ) ( ( حتى أتى بالخاتم الذي ختم
به وأعلانا على كل الأمم ) )
( ( ولم تزل فيما ) ) أي في الزمن الذي ( ( مضى ) ) أي في سائر الأزمان الماضية ( ( الأنباء ) ) جمع نبي كالأنبياء والنبيين ( ( من فضله ) ) أي : من فضل الله سبحانه وتعالى ورأفته ولطفه لا من حيث أنه واجب عليه تعالى - كما تقدم بيانه ( ( تأتي ) ) بإبلاغ الشرائع وبيان الحق وإيضاح السبيل ( ( لمن ) ) أي : لكل أهل زمن من الأمم الماضية والقرون الخالية ( ( يشاء ) ) الله سبحانه وتعالى بتبليغ ما يشاء على ألسنة من شاء من أنبيائه لمن شاء من مكلفي عباده ، فلم تخل الأرض من داع يدعو إلى الله تعالى من لدن
آدم عليه السلام إلى أن بعث
محمد صلى الله عليه وسلم ، فيجب
الإيمان بجميع الأنبياء والرسل ، وأنهم صادقون في ما أخبروا به عن الله تعالى إجمالا في من لم يعينوا ، كما دل على ذلك قوله تعالى (
آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ) فدلت الآية الكريمة على الاكتفاء بذلك في الإيمان بهم من غير تفصيل إلا من تثبت تسميته ، فيجب الإيمان به على التعيين ، وكان مجيء الرسل والأنبياء في القرون الماضية والأزمان الخالية معروفا مستمرا من لدن الأب الأول الصفي عليه السلام ( ( حتى ) ) أي : إلى أن ( ( أتى بـ ) ) النبي ( ( الخاتم ) ) والرسول القائم نبينا
محمد - صلى الله عليه وسلم - أي : إلى أن أرسله بخير كتاب وأتم شريعة وأفضل ملة وأكمل دين ( ( الذي ختم ) ) الله ( ( به ) ) النبيين والمرسلين ، وأكمل بدينه كل دين ، قال الله تعالى في محكم الذكر المبين : (
ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) أي : الذي ختمهم وختموا به ، فلا نبي بعده ، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=143العرباض بن سارية السلمي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026872إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته ) ) الحديث ، وأخرجه
الحاكم وقال : صحيح الإسناد ، وروي معناه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - ومن
[ ص: 270 ] وجوه أخر مرسلة ، وفي الصحيحين وغيرهما من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026873مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأكمله وأحسنه إلا موضع لبنة ، فجعل الناس يدخلون ويعجبون منها ويقولون : لولا موضع اللبنة - زاد مسلم - فجئت فختمت الأنبياء ) ) وفي الصحيحين أيضا من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - معناه وفيه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026874فجعل الناس يطوفون به ويقولون : هلا وضعت اللبنة ، فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين ) ) .
وفي صحيح
الحاكم عن
عائشة - رضي الله عنها - قالت : كان
بمكة يهودي يتجر فيها ، فلما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يا معشر
قريش هل ولد فيكم الليلة مولود ؟ فقالوا : لا نعلمه ، فقال : ولد الليلة نبي هذه الأمة الأخيرة بين كتفيه علامة لها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس ، فخرجوا باليهودي حتى أدخلوه على أمه ، فقالوا : أخرجي لنا ابنك ، فأخرجوه وكشفوا عن ظهره ، فرأى تلك الشامة ، فوقع اليهودي مغشيا عليه ، فلما أفاق قالوا : ويلك ما لك ؟ قال : ذهبت والله النبوة من
بني إسرائيل . وهذا الحديث يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - ولد بخاتم النبوة بين كتفيه ، وخاتم النبوة من
علامات نبوته - صلى الله عليه وسلم - التي كان يعرفه بها
أهل الكتاب ، ويسألون عنها ويطلبون الوقوف عليها .
وقد روي أن
هرقل ملك الروم من
النصارى أرسل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من ينظر له خاتم النبوة . وفي نبوة شعيا أن سلطانه - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - على كتفه يريد علامة نبوته .
وفي الجواب الصحيح
لشيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - ما نصه : قال
أشعياء النبي عليه السلام ونص على خاتم النبوة : ولد لنا غلام يكون عجبا وبشرا ، والشامة على كتفيه آركون السلام ، وسلطانه سلطان السلام ، يجلس على كرسي
داود . فالآركون هو المعظم بلغة الإنجيل ، والأراكنة المعظمون ، فشهد
أشعياء بنبوة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ووصفه بأخص علاماته وأوضحها ، وهى شامته ، فلعمري لم تكن الشامة
لسليمان ولا
للمسيح ، ووصفه بأنه يجلس على كرسي
داود يعني أنه سيرث من
بني إسرائيل نبوتهم ، وملكهم ، ويبتزهم رياستهم .
قال العلماء - رحمهم الله - في
حكمة وجود الخاتم بين كتفيه أو على نغض كتفه
[ ص: 271 ] الأيسر : هو على جهة الاعتبار أنه - صلى الله عليه وسلم - لما ملئ قلبه من الإيمان والأنوار ، وجمع له أجزاء النبوة وحواشيها ختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء مسكا أو درا ، فلم تجد نفسه ولا عدوه سبيلا إليه من أجل ذلك الختم ؛ لأن الشيء المختوم محروس كما بين لنا أنا إذا وجدنا الشيء بختمه زال الشك ، وانقطع الخصام فيما بين الآدميين ، فلذلك ختم رب العالمين في قلبه ختما يطمئن له القلب ، ألقى النور فيه ونفذت قوة القلب فظهر بين كتفيه كبيضة الحجلة كما أشار إليه
أبو القاسم السهيلي - رحمه الله تعالى .