وقد سبق أن قلنا : إن هذه النصوص ليس المراد منها أن السماء ظرف حاو له سبحانه ؛ بل ( في ) إما أن تكون بمعنى ( على ) ؛ كما قاله كثير من أهل العلم واللغة ، و ( في ) تكون بمعنى ( على ) في مواضع كثيرة ؛ مثل قوله تعالى :ولأصلبنكم في جذوع النخل ، وإما أن يكون المراد من السماء جهة العلو ، وعلى الوجهين فهي نص في علوه تعالى على خلقه .
وفي حديث الرقية المذكور توسل إلى الله عز وجل بالثناء عليه بربوبيته وإلاهيته وتقديس اسمه وعلوه على خلقه وعموم أمره الشرعي وأمره القدري ، ثم توسل إليه برحمته التي شملت أهل سماواته جميعا أن يجعل [ ص: 210 ] لأهل الأرض نصيبا منها ، ثم توسل إليه بسؤال مغفرة الحوب وهو الذنب العظيم ، ثم الخطايا التي هي دونه ، ثم توسل إليه بربوبيته الخاصة للطيبين من عباده ، وهم الأنبياء وأتباعهم ، التي كان من آثارها أن غمرهم بنعم الدين والدنيا الظاهرة والباطنة .
فهذه الوسائل المتنوعة إلى الله لا يكاد يرد دعاء من توسل بها ، ولهذا دعا الله بعدها بالشفاء الذي هو شفاء الله الذي لا يدع مرضا إلا أزاله ، ولا تعلق فيه لغير الله .
وأما الحديث الرابع ؛ فقد تضمن شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم بالإيمان للجارية التي اعترفت بعلوه تعالى على خلقه ، فدل ذلك على أن وصف العلو من أعظم أوصاف الباري جل شأنه ، حيث خصه بالسؤال عنه دون بقية الأوصاف ، ودل أيضا على أن الإيمان بعلوه المطلق من كل وجه هو من أعظم أصول الإيمان ، فمن أنكره ؛ فقد حرم الإيمان الصحيح .