( فإنه أعلم بنفسه وبغيره ، وأصدق قيلا ، وأحسن حديثا من خلقه ، ثم رسله صادقون مصدقون بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون ) .
ش قوله : ( فإنه أعلم بنفسه وبغيره . . ) إلى قوله : ( . . ثم رسله صادقون مصدوقون ) تعليل لصحة مذهب السلف في الإيمان بجميع الصفات الواردة في الكتاب والسنة ؛ فإنه إذا كان الله عز وجل أعلم [ ص: 107 ] بنفسه وبغيره ، وكان أصدق قولا وأحسن حديثا ، وكان رسله عليهم الصلاة والسلام صادقين في كل ما يخبرون به عنه ، معصومين من الكذب عليه والإخبار عنه بما يخالف الواقع ؛ وجب التعويل إذا في باب الصفات نفيا وإثباتا على ما قاله الله وقاله رسوله الذي هو أعلم خلقه به ، وأن لا يترك ذلك إلى قول من يفترون على الله الكذب ويقولون عليه ما لا يعلمون .
وبيان ذلك أن الكلام إنما تقصر دلالته على المعاني المرادة منه لأحد ثلاثة أسباب : إما لجهل المتكلم وعدم علمه بما يتكلم به ، وإما لعدم فصاحته وقدرته على البيان ، وإما لكذبه وغشه وتدليسه ، ونصوص الكتاب والسنة بريئة من هذه الأمور الثلاثة من كل وجه ، فكلام الله وكلام رسوله في غاية الوضوح والبيان ؛ كما أنه المثل الأعلى في الصدق والمطابقة للواقع ؛ لصدوره عن كمال العلم بالنسب الخارجية ، وهو كذلك صادر عن تمام النصح ، والشفقة ، والحرص على هداية الخلق وإرشادهم .
فقد اجتمعت له الأمور الثلاثة التي هي عناصر الدلالة والإفهام على أكمل وجه .
فالرسول صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بما يريد إخبارهم به ، وهو أقدرهم على بيان ذلك والإفصاح عنه ، وهو أحرصهم على هداية الخلق ، وأشدهم إرادة لذلك ، فلا يمكن أن يقع في كلامه شيء من النقص والقصور ؛ بخلاف كلام غيره ؛ فإنه لا يخلو من نقص في أحد هذه الأمور أو جميعها ، فلا يصح أن يعدل بكلامه كلام غيره فضلا عن أن يعدل عنه إلى كلام غيره ؛ فإن هذا هو غاية الضلال ، ومنتهى الخذلان .