( باب ما جاء في شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم )
وفي نسخة صحيحة باب
ما جاء في صفة شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الشرب بتثليث أوله مصدر بمعنى التشرب على ما ذكره
البيهقي في التاج ، وهو المراد هنا ، وقد قرئ قوله تعالى :
فشاربون شرب الهيم بالحركات الثلاث لكن الكسر شاذ ، وهو في معنى النصب أشهر كقوله تعالى :
لها شرب ولكم شرب يوم معلوم فالكسر بمعنى المشروب ، وكذا الفتح والضم بناء على أن المصدر بمعنى المفعول ، وهذا المعنى أيضا يحتمل أن يكون مرادا هنا ، وأما نقل
ابن حجر تبعا للحنفي أن الشرب بالفتح جمع شارب ،
[ ص: 307 ] كصحب جمع صاحب ، على تقدير صحة وروده ، فلا مناسبة له بالباب ، والله أعلم بالصواب .
( حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12289أحمد بن منيع ، حدثنا
هشيم ) بضم هاء وفتح شين معجمة ، وسكون تحتية مصغر هشام ، ( أنبأنا ) وفي نسخة أخبرنا (
nindex.php?page=showalam&ids=16274عاصم الأحول nindex.php?page=showalam&ids=17127ومغيرة ) بضم فكسر ، هو ابن مقسم الضبي مولاهم الكوفي الفقيه الضرير
أبو هشام ثقة متقن إلا أنه يدلس ، ولا سيما عن
إبراهيم مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة ذكره
ميرك ( عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ) بفتح فسكون تابعي مشهور ( عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب ) قيل : في حجة الوداع ( من زمزم ) وهي بئر معروفة
بمكة ، سميت بها لكثرة مائها ، ويقال ماء زمزم وزمزم ، وقيل : هو اسم علم لها كذا في النهاية ( وهو قائم ) وفي رواية الشيخين ، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء زمزم ، فشرب وهو قائم ، قال
ميرك : وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه ، قال
عاصم : فذكرت ذلك
لعكرمة ، فحلف أنه ما كان حينئذ إلا راكبا ، وعند
أبي داود من وجه آخر عن
عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعيره ، ثم أناخه بعد فراغه من الطواف ، فصلى ركعتين ، فلعل شربه من زمزم حينئذ قبل أن يعود إلى بعيره ، ويخرج إلى الصفا ، وهذا هو الذي يتعين المصير إليه ; لأن عمدة
عكرمة في كونه شرب قائما ، إنما هو ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم طاف على بعيره ، وسعى كذلك لكن لا بد من تخلل ركعتي الطواف بين ذلك ، وقد ثبت أنه صلاهما على الأرض فما المانع من كونه شرب من زمزم ، وهو قائم كما حفظه
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي كذا حققه
العسقلاني ، وهو جمع جيد لا غبار عليه ، وما وقع في حديث
جابر في سياق حج النبي صلى الله عليه وسلم ، من أنه استسقى بعد طواف الإفاضة عند إتمام المناسك ، لا ينفي هذا التأويل ، ولا يحتاج إلى حمل قول
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي : وهو قائم ، على أنه راكب ; لأن الراكب سيره بالقائم من حيث كونه سائرا ، غاية ما في الباب ، أنه يلزم من هذا الوجه الذي ذكره
العسقلاني إدعاء كون الشرب من زمزم وقع في الحج مرتين ، ولا بعد في ذلك ، والله العاصم .
ثم اعلم أنه صرح في بعض الأحاديث بأنه شرب قائما ، وفي صحيح
مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
الشرب قائما ، بل في رواية مسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10345387لا يشربن أحدكم قائما ، فمن نسي فليستقئ " ، والتوفيق بينهما أن النهي محمول على التنزيه ، وشربه قائما لبيان الجواز ، وممن رخص في الشرب قائما
علي nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد بن أبي وقاص ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم ، وقال الشيخ محي السنة : وأما النهي فنهي أدب وإرفاق ; ليكون تناوله على سكون وطمأنينة ، فيكون أبعد من الفساد ، وقال الشيخ
مجد الدين الفيروزابادي : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب غالبا قاعدا ، وقد شرب مرة قائما لبيان الجواز ، وقال بعضهم : النهي ناسخ له ، وقال بعضهم : أنه ناسخ للنهي ، وقال بعضهم : الشرب قائما كان لعذر ; ولذا قال أكثر العلماء : لا ينبغي أن يشرب قائما ، وقال
النووي : وأما من زعم النسخ أو الضعف فقد غلط غلطا فاحشا ، وكيف يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع لو ثبت التاريخ ، وأنى له بذلك أو إلى القول بالضعف مع صحة الكل ، وأما قوله : فليستقئ ، فمحمول على الاستحباب ، فإن الأمر إذا تعذر حمله على
[ ص: 308 ] الوجوب حمل على الاستحباب ، والله أعلم بالصواب .
أقول : ويمكن أن يكون القيام مختصا بماء زمزم ، وبفضل ماء الوضوء على ما وقع في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=hadith&LINKID=10345388عن علي كرم الله وجهه ، أنه شرب قائما ، وقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت ، وسيأتي في الأصل أيضا ونكتة التخصيص في ماء زمزم ، هي الإشارة إلى استحباب التضلع من مائه ، وفي فضل الوضوء هي الإيماء إلى وصول بركته إلى جميع الأعضاء ، ثم رأيت بعضهم صرح بأنه يسن
الشرب من زمزم قائما اتباعا له صلى الله عليه وسلم ، قلت : ويؤيده حديث علي المتقدم حيث تبعه صلى الله عليه وسلم في القيام المخصوص ، ولم ينظر إلى عموم نهيه عن الشرب قائما ، ونازعه
ابن حجر بما لا طائل تحته .