صفحة جزء
( حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى ، أخبرنا محمد بن جعفر ، قال : أخبرنا شعبة قال : أخبرنا أشعث ، وهو ابن أبي الشعثاء ) بفتح فسكون وفي إيراد الجملة إشارة إلى أن شعبة أطلق أشعث ومراده ابن أبي الشعثاء ; ليظهر قوله ( عن أبيه عن مسروق عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن ) أي استعمال اليمنى وتقديم جانب اليمنى في الأمور الشريفة ( ما استطاع ) أي مدة دوام قدرته على ما ذكر ، وهو تأكيد لاختيار التيمن ومبالغة في عدم تركه ، كما هو العرف في أمثاله ، ونظيره فاتقوا الله ما استطعتم قال العصام : ولم يرد أنه ربما يتركه للضرورة وعدم القدرة انتهى . وهو ظاهر لأنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم خلاف التيمن .

وقال ابن حجر ذكره احترازا عما إذا احتيج لليسار لعارض باليمين ، فإنه لا كراهة في تقديمها حينئذ انتهى . وهو مقرر إذ الضرورات تبيح المحظورات ، وليس الكلام فيه ، والذي يظهر عندي أن مراده والله أعلم ، أنه صلى الله عليه وسلم كان يكتفي باليمين فيما لم يتعسر احترازا عن نحو غسل الوجه ، خلافا للشيعة أو لم يتعذر بأن كان يريد مثلا أن يأخذ العصا والكتاب ، فيتعين أن يأخذ أحدهما باليمين والآخر باليسار ، وكما وقع له الجمع بين أكل القثاء والرطب باليدين ، وكما في لبس النعلين إذا كان محتاجا إلى استعمال اليدين ، وجوز ميرك أن يكون [ ما ] في ( ما استطاع ) موصولة فيكون بدلا من التيمن ( في ترجله ) متعلق بيجب أي في شأن ترجيل شعره وهو تمشيطه وتسريحه ودهنه ( وتنعله ) أي في لبس نعله ( وطهوره ) بضم أوله وفتحه على أنها لغتان في المعنى الاسمي وهو ما يتطهر به ، فالتقدير استعمال طهوره ، ثم ذكر الثلاثة ليس لإرادة انحصارها بل للإشارة إلى أنه كان يراعي التيمن من الفرق إلى القدم ، وفي كل البدن ، ومما ورد في باب التنعل والناس عنه غافلون ، ما روي عن جابر ، قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنعل الرجل قائما ، لكن ذكر في شرح السنة أن الكراهة لمشقة تلحق في لبس نعال فيها سيور ; لأنه لا يمكن اللبس بدون إعانة اليد ، فلا نهي فيما ليس فيه تلك المشقة ، أقول وفي معنى التنعل المنهي لبس الخفين والسراويل قائما ، فإن الكراهة [ ص: 168 ] محققة فيهما ; لوجود المشقة اللاحقة بلبسهما .

واعلم أن عند دخول المسجد والخروج عنه لا بد من مراعاة اليمين فيهما ، وملاحظة لبس النعل وخلعها فيهما أيضا ، وأكثر الناس لا يلتفتون ، وعن المراعاة جاهلون ، وعن متابعة السنة محرومون .

التالي السابق


الخدمات العلمية