فصل
المسألة الثانية :
إذا عاوض غيره معاوضة محرمة ، وقبض العوض كالزانية والمغني وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم ثم تاب والعوض بيده .
فقالت طائفة : يرده إلى مالكه إذ هو عين ماله ، ولم يقبضه بإذن الشارع ولا حصل لربه في مقابلته نفع مباح .
[ ص: 394 ] وقالت طائفة : بل توبته بالتصدق به ، ولا يدفعه إلى من أخذه منه ، وهو اختيار شيخ
الإسلام ابن تيمية ، وهو أصوب القولين ، فإن قابضه إنما قبضه ببذل مالكه له ورضاه ببذله ، وقد استوفى عوضه المحرم ، فكيف يجمع له بين العوض والمعوض ؟ وكيف يرد عليه مالا قد استعان به على معاصي الله ، ورضي بإخراجه فيما يستعين به عليها ثانيا وثالثا ؟ وهل هذا إلا محض إعانته على الإثم والعدوان ؟ وهل يناسب هذا محاسن الشرع أن يقضى للزاني بكل ما دفعه إلى من زنى بها ، ويؤخذ منها ذلك طوعا أو كرها فيعطاه وقد نال عوضه ؟ .
وهب أن هذا المال لم يملكه الآخذ ، فملك صاحبه قد زال عنه بإعطائه لمن أخذه ، وقد سلم له ما في قبالته من النفع ، فكيف يقال : ملكه باق عليه ويجب رده إليه ؟ وهذا بخلاف أمره بالصدقة به فإنه قد أخذه من وجه خبيث برضى صاحبه وبذله له بذلك ، وصاحبه قد رضي بإخراجه عن ملكه بذلك ، وأن لا يعود إليه فكان أحق الوجوه به صرفه في المصلحة التي ينتفع بها من قبضه ويخفف عنه الإثم ولا يقوى الفاجر به ويعان ، ويجمع له بين الأمرين .
وهكذا
توبة من اختلط ماله الحلال بالحرام وتعذر عليه تمييزه أن يتصدق بقدر الحرام ويطيب باقي ماله ، والله أعلم .