الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

إذا غصب مالا ومات ربه وتعذر رده عليه تعين عليه رده إلى وارثه ، فإن مات الوارث رده إلى وارثه وهلم جرا ، فإن لم يرده إلى ربه ولا إلى أحد ورثته فهل تكون المطالبة به في الآخرة للموروث إذ هو ربه الأصلي وقد غصبه عليه أو للوارث الأخير إذ الحق قد انتقل إليه ؟ .

فيه قولان للفقهاء ، وهم وجهان في مذهب الشافعي .

ويحتمل أن يقال : المطالبة للموروث ولكل واحد من الورثة ، إذ كل منهم قد كان يستحقه ويجب عليه الدفع إليه فقد ظلمه بترك إعطائه ما وجب عليه دفعه إليه ، فيتوجه عليه المطالبة في الآخرة له .

فإن قيل : فكيف يتخلص بالتوبة من حقوق هؤلاء .

قيل : طريق التوبة أن يتصدق عنهم بمال تجري منافع ثوابه عليهم بقدر ما فات كل واحد منهم من منفعة ذلك المال لو صار إليه متحريا للممكن من ذلك ، وهكذا لو [ ص: 395 ] تطاولت على المال سنون، وقد كان يمكن ربه أن ينميه بالربح ، فتوبته بأن يخرج المال ومقدار ما فوته من ربح ماله .

فإن كان قد ربح فيه بنفسه ، فقيل : الربح كله للمالك ، وهو قول الشافعي وظاهر مذهب أحمد رحمهما الله .

وقيل : كله للغاصب ، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك رحمهما الله .

وكذلك لو أودعه مالا فاتجر به وربح ، فربحه له دون مالكه عندهما وضمانه عليه .

وفيها قول ثالث : أنهما شريكان في الربح ، وهو رواية عن أحمد رحمه الله ، واختيار شيخنا رحمه الله ، وهو أصح الأقوال ، فتضم حصة المالك من الربح إلى أصل المال ويتصدق بذلك .

وهكذا لو غصب ناقة أو شاة فنتجت أولادا ، فقيل : أولادها كلها للمالك ، فإن ماتت أو شيء من النتاج رد أولادها وقيمة الأم وما مات من النتاج ، هذا مذهب الشافعي وأحمد في المشهور عند أصحابه .

وقال مالك : إذا ماتت فربها بالخيار بين أخذ قيمتها يوم ماتت وترك نتاجها للغاصب ، وبين أخذ نتاجها وترك قيمتها ، وعلى القول الثالث الراجح يكون عليه قيمتها وله نصف النتاج ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية