فصل المشهد العاشر : مشهد الرحمة
فإن
العبد إذا وقع في الذنب خرج من قلبه تلك الغلظة والقسوة ، والكيفية
[ ص: 426 ] الغضبية التي كانت عنده لمن صدر منه ذنب ، حتى لو قدر عليه لأهلكه ، وربما دعا الله عليه أن يهلكه ويأخذه ، غضبا منه لله ، وحرصا على أن لا يعصي ، فلا يجد في قلبه رحمة للمذنبين الخاطئين ، ولا يراهم إلا بعين الاحتقار والازدراء ، ولا يذكرهم إلا بلسان الطعن فيهم ، والعيب لهم والذم ، فإذا جرت عليه المقادير وخلي ونفسه استغاث الله والتجأ إليه ، وتململ بين يديه تململ السليم ، ودعاه دعاء المضطر ، فتبدلت تلك الغلظة على المذنبين رقة ، وتلك القساوة على الخاطئين رحمة ولينا ، مع قيامه بحدود الله ، وتبدل دعاؤه عليهم دعاء لهم ، وجعل لهم وظيفة من عمره ، يسأل الله أن يغفر لهم .
فما أنفعه له من مشهد ! وما أعظم جدواه عليه ، والله أعلم .