[ ص: 518 ] فصل .
قال صاحب المنازل :
الخشوع : خمود النفس ، وهمود الطباع لمتعاظم ، أو مفزع .
يعني انقباض النفس والطبع ، وهو خمود قوى النفس عن الانبساط لمن له في القلوب عظمة ومهابة ، أو لما يفزع منه القلب .
والحق أن الخشوع معنى يلتئم من التعظيم ، والمحبة ، والذل والانكسار .
قال : وهو على ثلاث درجات ، الدرجة الأولى : التذلل للأمر ، والاستسلام للحكم ، والاتضاع لنظر الحق .
التذلل للأمر تلقيه بذلة القبول والانقياد والامتثال . ومواطأة الظاهر الباطن ، مع إظهار الضعف ، والافتقار إلى الهداية للأمر قبل الفعل ، والإعانة عليه حال الفعل ، وقبوله بعد الفعل .
وأما الاستسلام للحكم فيجوز أن يريد به الحكم الديني الشرعي ، فيكون معناه عدم معارضته برأي أو شهوة ، ويجوز أن يريد به الاستسلام للحكم القدري ، وهو عدم تلقيه بالتسخط والكراهة والاعتراض .
والحق أن الخشوع هو الاستسلام للحكمين ، وهو الانقياد بالمسكنة والذل لأمر الله وقضائه .
وأما الاتضاع لنظر الحق فهو اتضاع القلب والجوارح ، وانكسارها لنظر الرب إليها ، واطلاعه على تفاصيل ما في القلب والجوارح ، وهذا أحد التأويلين في قوله تعالى
ولمن خاف مقام ربه جنتان وقوله :
وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى وهو مقام الرب على عبده بالاطلاع والقدرة والربوبية .
فخوفه من هذا المقام يوجب له خشوع القلب لا محالة ، وكلما كان أشد
[ ص: 519 ] استحضارا له كان أشد خشوعا ، وإنما يفارق القلب إذا غفل عن اطلاع الله عليه ، ونظره إليه .
والتأويل الثاني : أنه مقام العبد بين يدي ربه عند لقائه .
فعلى الأول يكون من باب إضافة المصدر إلى الفاعل .
وعلى الثاني وهو أليق بالآية يكون من باب إضافة المصدر إلى المخوف ، والله أعلم .