فصل منزلة الورع
ومن منازل "
إياك نعبد وإياك نستعين "
منزلة الورع .
قال الله تعالى : (
ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ) وقال تعالى : (
وثيابك فطهر ) قال
قتادة ومجاهد : نفسك فطهر من الذنب . فكنى عن النفس بالثوب . وهذا قول
إبراهيم ،
النخعي و
الضحاك ، و
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ، والمحققين من أهل التفسير . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لا تلبسها على معصية ولا غدر . ثم قال : أما سمعت قول
غيلان بن سلمة الثقفي :
وإني - بحمد الله - لا ثوب غادر لبست ولا من غدرة أتقنع والعرب تقول في وصف الرجل بالصدق والوفاء : طاهر الثياب . وتقول للغادر والفاجر : دنس الثياب . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب : لا تلبسها على الغدر ، والظلم والإثم . ولكن البسها وأنت بر طاهر .
[ ص: 23 ] وقال
الضحاك : عملك فأصلح . قال
السعدي : يقال للرجل إذا كان صالحا : إنه لطاهر الثياب . وإذا كان فاجرا : إنه لخبيث الثياب . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : وقلبك وبيتك فطهر . وقال
الحسن و
القرظي : وخلقك فحسن .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين و
ابن زيد : أمر بتطهير الثياب من النجاسات التي لا تجوز الصلاة معها ؛ لأن المشركين كانوا لا يتطهرون ، ولا يطهرون ثيابهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس : وثيابك فقصر ؛ لأن تقصير الثياب طهرة لها .
والقول الأول أصح الأقوال .
ولا ريب أن تطهيرها من النجاسات وتقصيرها من جملة التطهير المأمور به ، إذ به تمام إصلاح الأعمال والأخلاق ؛ لأن نجاسة الظاهر تورث نجاسة الباطن . ولذلك أمر القائم بين يدي الله عز وجل بإزالتها والبعد عنها .
والمقصود أن
الورع يطهر دنس القلب ونجاسته . كما يطهر الماء دنس الثوب ونجاسته . وبين الثياب والقلوب مناسبة ظاهرة وباطنة . ولذلك تدل ثياب المرء في المنام على قلبه وحاله . ويؤثر كل منهما في الآخر . ولهذا نهى عن لباس الحرير والذهب ، وجلود السباع ، لما تؤثر في القلب من الهيئة المنافية للعبودية والخشوع . وتأثير القلب والنفس في الثياب أمر خفي يعرفه أهل البصائر من نظافتها ودنسها ورائحتها ، وبهجتها وكسفتها ، حتى إن ثوب البر ليعرف من ثوب الفاجر ، وليسا عليهما .
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الورع كله في كلمة واحدة . فقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=980316من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " فهذا يعم الترك لما لا يعني من الكلام ، والنظر ، والاستماع ، والبطش ،
[ ص: 24 ] والمشي ، والفكر ، وسائر الحركات الظاهرة والباطنة . فهذه الكلمة كافية شافية في الورع .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12358إبراهيم بن أدهم : الورع ترك كل شبهة ، وترك مالا يعنيك هو ترك الفضلات . وفي
الترمذي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980317يا nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة كن ورعا ، تكن أعبد الناس .
قال
الشبلي : الورع أن يتورع عن كل ما سوى الله . وقال
إسحاق بن خلف : الورع في المنطق أشد منه في الذهب والفضة ، والزهد في الرياسة أشد منه في الذهب والفضة ، لأنهما يبذلان في طلب الرياسة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12032أبو سليمان الداراني : الورع أول الزهد ، كما أن القناعة أول الرضا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17335يحيى بن معاذ : الورع الوقوف على حد العلم من غير تأويل . وقال : الورع على وجهين . ورع في الظاهر ، وورع في الباطن ، فورع الظاهر أن لا يتحرك إلا لله ، وورع الباطن هو أن لا تدخل قلبك سواه . وقال : من لم ينظر في الدقيق من الورع لم يصل إلى الجليل من العطاء .
وقيل : الورع الخروج من الشهوات ، وترك السيئات .
وقيل : من دق في الدنيا ورعه - أو نظره - جل في القيامة خطره .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17419يونس بن عبيد : الورع الخروج من كل شبهة ، ومحاسبة النفس في كل طرفة عين .
[ ص: 25 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري : ما رأيت أسهل من الورع ، ما حاك في نفسك فاتركه .
وقال
سهل : الحلال هو الذي لا يعصى الله فيه ، والصافي منه الذي لا ينسى الله فيه ، وسأل
الحسن غلاما . فقال له : ما ملاك الدين ؟ قال : الورع . قال : فما آفته ؟ قال : الطمع . فعجب
الحسن منه .
وقال
الحسن : مثقال ذرة من الورع خير من ألف مثقال من الصوم والصلاة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : جلساء الله غدا أهل الورع والزهد .
وقال بعض السلف : لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس .
وقال بعض الصحابة : كنا ندع سبعين بابا من الحلال مخافة أن نقع في باب من الحرام .