الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قال صاحب " المنازل " :

الورع توق مستقصى على حذر . وتحرج على تعظيم .

يعني أن يتوقى الحرام والشبه ، وما يخاف أن يضره أقصى ما يمكنه من التوقي ؛ لأن التوقي والحذر متقاربان . إلا أن التوقي فعل الجوارح . والحذر فعل القلب . فقد يتوقى العبد الشيء لا على وجه الحذر والخوف . ولكن لأمور أخرى من إظهار نزاهة ، وعزة وتصوف ، أو اعتراض آخر ، كتوقي الذين لا يؤمنون بمعاد ، ولا جنة ولا نار ما يتوقونه من الفواحش والدناءة ، تصونا عنها ، ورغبة بنفوسهم عن مواقعتها ، وطلبا للمحمدة ، ونحو ذلك .

وقوله : " أو تحرج على تعظيم " يعني أن الباعث على الورع عن المحارم والشبه إما حذر حلول الوعيد ، وإما تعظيم الرب جل جلاله ، وإجلالا له أن يتعرض لما نهى عنه .

فالورع عن المعصية : إما تخوف ، أو تعظيم . واكتفى بذكر التعظيم عن ذكر الحب [ ص: 26 ] الباعث على ترك معصية المحبوب ؛ لأنه لا يكون إلا مع تعظيمه . وإلا فلو خلا القلب من تعظيمه لم تستلزم محبته ترك مخالفته ؛ كمحبة الإنسان ولده وعبده وأمته . فإذا قارنه التعظيم أوجب ترك المخالفة .

قال : وهو آخر مقام الزهد للعامة ، وأول مقام الزهد للمريد .

يعني أن هذا التوقي والتحرج - بوصف الحذر والتعظيم - هو نهاية لزهد العامة ، وبداية لزهد المريد . وإنما كان كذلك لأن الورع - كما تقدم - هو أول الزهد وركنه ، وزهد المريد فوق زهد العامة . ونهاية العامة هي بداية المريد . فنهاية مقام هذا هي بداية مقام هذا . فإذا انتهى ورع العامة صار زهدا . وهو أول ورع المريد .

التالي السابق


الخدمات العلمية