فصل منزلة الثقة بالله تعالى
ومن منازل : (
إياك نعبد وإياك نستعين )
منزلة الثقة بالله تعالى .
قال صاحب " المنازل " :
الثقة : سواد عين التوكل . ونقطة دائرة التفويض . وسويداء قلب التسليم .
وصدر الباب بقوله تعالى لأم
موسى : (
فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني ) . فإن فعلها هذا هو عين ثقتها بالله تعالى ، إذ لولا كمال ثقتها بربها لما ألقت بولدها وفلذة كبدها في تيار الماء ، تتلاعب به أمواجه ، وجرياته إلى حيث ينتهي أو يقف .
ومراده : أن الثقة خلاصة التوكل ولبه ، كما أن سواد العين : أشرف ما في العين .
وأشار بأنه نقطة دائرة التفويض إلى أن مدار التوكل عليه ، وهو في وسطه كحال النقطة من الدائرة . فإن النقطة هي المركز الذي عليه استدارة المحيط ، ونسبة جهات المحيط إليها نسبة واحدة ، وكل جزء من أجزاء المحيط مقابل لها . كذلك الثقة هي النقطة التي يدور عليها التفويض .
وكذلك قوله : سويداء قلب التسليم . فإن القلب أشرف ما فيه سويداؤه ، وهي
[ ص: 143 ] المهجة التي تكون بها الحياة ، وهي في وسطه . فلو كان التفويض قلبا لكانت الثقة سويداءه . ولو كان عينا لكانت سوادها . ولو كان دائرة لكانت نقطتها .
وقد تقدم أن كثيرا من الناس يفسر التوكل بالثقة . ويجعله حقيقتها . ومنهم من يفسره بالتفويض . ومنهم من يفسره بالتسليم .
فعلمت أن مقام التوكل يجمع ذلك كله .
فكأن الثقة عند الشيخ هي روح ، والتوكل كالبدن الحامل لها ، ونسبتها إلى التوكل كنسبة الإحسان إلى الإيمان . والله أعلم .