فصل
والأدب هو الدين كله . فإن ستر العورة من الأدب . والوضوء وغسل الجنابة من الأدب . والتطهر من الخبث من الأدب . حتى يقف بين يدي الله طاهرا . ولهذا كانوا يستحبون أن يتجمل الرجل في صلاته . للوقوف بين يدي ربه .
وسمعت شيخ الإسلام
ابن تيمية - رحمه الله - يقول : أمر الله بقدر زائد على ستر العورة في الصلاة . وهو أخذ الزينة . فقال تعالى
خذوا زينتكم عند كل مسجد فعلق الأمر بأخذ الزينة ، لا بستر العورة ، إيذانا بأن العبد ينبغي له : أن يلبس أزين ثيابه ، وأجملها في الصلاة .
وكان لبعض السلف حلة بمبلغ عظيم من المال . وكان يلبسها وقت الصلاة . ويقول : ربي أحق من تجملت له في صلاتي .
ومعلوم : أن الله سبحانه وتعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده . لاسيما إذا
[ ص: 364 ] وقف بين يديه . فأحسن ما وقف بين يديه بملابسه ونعمته التي ألبسه إياها ظاهرا وباطنا .
ومن الأدب : نهى النبي صلى الله عليه وسلم المصلي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980529أن يرفع بصره إلى السماء .
فسمعت شيخ الإسلام
ابن تيمية - قدس الله روحه - يقول : هذا
من كمال أدب الصلاة : أن يقف العبد بين يدي ربه مطرقا ، خافضا طرفه إلى الأرض . ولا يرفع بصره إلى فوق .
قال :
والجهمية - لما لم يفقهوا هذا الأدب ، ولا عرفوه - ظنوا أن هذا دليل أن الله ليس فوق سمواته على عرشه . كما أخبر به عن نفسه . واتفقت عليه رسله وجميع أهل السنة .
قال : وهذا من جهلهم . بل هذا دليل لمن عقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم على نقيض قولهم; إذ من الأدب مع الملوك : أن الواقف بين أيديهم يطرق إلى الأرض . ولا يرفع بصره إليهم . فما الظن بملك الملوك سبحانه ؟
وسمعته يقول - في نهيه صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن في الركوع والسجود - إن
القرآن هو أشرف الكلام . وهو كلام الله . وحالتا الركوع والسجود حالتا ذل وانخفاض من العبد . فمن الأدب مع كلام الله : أن لا يقرأ في هاتين الحالتين . ويكون حال القيام والانتصاب أولى به .
ومن الأدب مع الله : أن لا يستقبل بيته ولا يستدبره عند قضاء الحاجة . كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث
أبي أيوب وسلمان nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة ، وغيرهم . رضي الله عنهم . والصحيح : أن هذا الأدب : يعم الفضاء والبنيان . كما ذكرنا في غير هذا الموضع .
ومن
الأدب مع الله ، في الوقوف بين يديه في الصلاة : وضع اليمنى على اليسرى حال قيام القراءة ، ففي الموطأ لمالك عن سهل بن سعد أنه من السنة ، وكان الناس
[ ص: 365 ] يؤمرون به ولا ريب أنه من أدب الوقوف بين يدي الملوك والعظماء . فعظيم العظماء أحق به .
ومنها : السكون في الصلاة . وهو الدوام الذي قال الله تعالى فيه :
الذين هم على صلاتهم دائمون . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17346يزيد بن أبي حبيب : أن
nindex.php?page=showalam&ids=17060أبا الخير أخبره قال : سألنا
nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر عن قوله تعالى :
الذين هم على صلاتهم دائمون أهم الذين يصلون دائما ؟ قال : لا . ولكنه إذا صلى لم يلتفت عن يمينه ، ولا عن شماله ولا خلفه .
قلت : هما أمران . الدوام عليها . والمداومة عليها . فهذا الدوام . والمداومة في قوله تعالى :
والذين هم على صلاتهم يحافظون وفسر الدوام بسكون الأطراف والطمأنينة .
وأدبه في استماع القراءة : أن يلقي السمع وهو شهيد .
وأدبه في الركوع : أن يستوي . ويعظم الله تعالى ، حتى لا يكون في قلبه شيء أعظم منه . ويتضاءل ويتصاغر في نفسه . حتى يكون أقل من الهباء .
والمقصود : أن الأدب مع الله تبارك وتعالى : هو القيام بدينه ، والتأدب بآدابه ظاهرا وباطنا .
ولا يستقيم لأحد قط الأدب مع الله إلا بثلاثة أشياء : معرفته بأسمائه وصفاته ، ومعرفته بدينه وشرعه ، وما يحب وما يكره . ونفس مستعدة قابلة لينة ، متهيئة لقبول الحق علما وعملا وحالا . والله المستعان .