فصل
وأما
الأدب مع الخلق : فهو معاملتهم - على اختلاف مراتبهم - بما يليق بهم . فلكل مرتبة أدب . والمراتب فيها أدب خاص . فمع الوالدين : أدب خاص وللأب منهما : أدب هو أخص به ، ومع العالم : أدب آخر ، ومع السلطان : أدب يليق به ، وله مع الأقران أدب يليق بهم . ومع الأجانب : أدب غير أدبه مع أصحابه وذوي أنسه . ومع الضيف : أدب غير أدبه مع أهل بيته .
ولكل حال أدب : فللأكل آداب . وللشرب آداب . وللركوب والدخول والخروج والسفر والإقامة والنوم آداب . وللبول آداب . وللكلام آداب . وللسكوت والاستماع آداب .
وأدب المرء : عنوان سعادته وفلاحه . وقلة أدبه : عنوان شقاوته وبواره .
فما استجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب ، ولا استجلب حرمانهما بمثل قلة الأدب .
فانظر إلى الأدب مع الوالدين : كيف نجى صاحبه من حبس الغار حين أطبقت عليهم الصخرة ؟ والإخلال به مع الأم - تأويلا وإقبالا على الصلاة - كيف امتحن
[ ص: 369 ] صاحبه بهدم صومعته وضرب الناس له ، ورميه بالفاحشة ؟
وتأمل أحوال كل شقي ومغتر ومدبر : كيف تجد قلة الأدب هي التي ساقته إلى الحرمان ؟
وانظر قلة أدب
عوف مع
خالد : كيف حرمه السلب بعد أن برد بيديه ؟
وانظر
أدب الصديق رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة : أن يتقدم بين يديه . فقال : ما كان ينبغي
nindex.php?page=showalam&ids=1لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم . كيف أورثه مقامه والإمامة بالأمة بعده ؟ فكان ذلك التأخر إلى خلفه - وقد أومأ إليه أن اثبت مكانك - جمزا ، وسعيا إلى قدام ؟ بكل خطوة إلى وراء مراحل إلى قدام . تنقطع فيها أعناق المطي . والله أعلم .