وهو على ثلاث درجات . الدرجة الأولى :
علم اليقين . وهو قبول ما ظهر من الحق . وقبول ما غاب للحق . والوقوف على ما قام بالحق .
ذكر الشيخ في هذه الدرجة ثلاثة أشياء ، هي متعلق اليقين وأركانه .
الأولى : قبول ما ظهر من الحق تعالى . والذي ظهر منه سبحانه : أوامره ونواهيه وشرعه ، ودينه الذي ظهر لنا منه على ألسنة رسله . فنتلقاه بالقبول والانقياد ، والإذعان والتسليم للربوبية . والدخول تحت رق العبودية .
الثاني : قبول ما غاب للحق وهو الإيمان بالغيب الذي أخبر به الحق سبحانه على لسان رسله من أمور المعاد وتفصيله ، والجنة والنار ، وما قبل ذلك : من الصراط والميزان والحساب ، وما قبل ذلك : من تشقق السماء وانفطارها ، وانتثار الكواكب ، ونسف الجبال ، وطي العالم ، وما قبل ذلك : من أمور البرزخ ، ونعيمه وعذابه .
فقبول هذا كله - إيمانا وتصديقا وإيقانا - هو اليقين . بحيث لا يخالج القلب فيه شبهة . ولا شك ولا تناس ، ولا غفلة عنه . فإنه إن لم يهلك يقينه أفسده وأضعفه .
الثالث : الوقوف على ما قام بالحق سبحانه من أسمائه وصفاته وأفعاله .
وهو علم التوحيد ، الذي أساسه : إثبات الأسماء والصفات . وضده : التعطيل والنفي ، والتهجم . فهذا التوحيد يقابله التعطيل .
وأما التوحيد القصدي الإرادي ، الذي هو إخلاص العمل لله ، وعبادته وحده : فيقابله الشرك ، والتعطيل شر من الشرك ، فإن المعطل جاحد للذات أو لكمالها . وهو جحد لحقيقة الإلهية . فإن ذاتا لا تسمع ولا تبصر ولا تتكلم ولا ترضى ، ولا تغضب ،
[ ص: 379 ] ولا تفعل شيئا . وليست داخل العالم ولا خارجه ، ولا متصلة بالعالم ولا منفصلة ، ولا مجانبة له ، ولا مباينة له ، ولا مجاورة ولا مجاوزة ، ولا فوق العرش ، ولا تحت العرش ، ولا خلفه ولا أمامه ، ولا عن يمينه ولا عن يساره : سواء هي والعدم .
والمشرك مقر بالله وصفاته . لكن عبد معه غيره . فهو خير من المعطل للذات والصفات .
فاليقين هو الوقوف على ما قام بالحق من أسمائه وصفاته ، ونعوت كماله ، وتوحيده . وهذه الثلاثة أشرف علوم الخلائق : علم الأمر والنهي ، وعلم الأسماء والصفات والتوحيد ، وعلم المعاد واليوم الآخر ، والله أعلم .