فصل
قال : الدرجة الثانية :
عين اليقين . وهو المغني بالاستدلال عن الاستدلال . وعن الخبر بالعيان . وخرق الشهود حجاب العلم .
الفرق بين علم اليقين وعين اليقين : كالفرق بين الخبر الصادق والعيان . وحق اليقين : فوق هذا .
وقد مثلت المراتب الثلاثة بمن أخبرك : أن عنده عسلا ، وأنت لا تشك في صدقه . ثم أراك إياه . فازددت يقينا . ثم ذقت منه .
فالأول : علم اليقين . والثاني : عين اليقين . والثالث : حق اليقين .
فعلمنا الآن بالجنة والنار : علم يقين . فإذا أزلفت الجنة في الموقف للمتقين وشاهدها الخلائق . وبرزت الجحيم للغاوين . وعاينها الخلائق . فذلك : عين اليقين . فإذا أدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار : فذلك حينئذ حق اليقين .
قوله : هو المغني بالاستدلال عن الاستدلال .
يريد بالاستدلال : الإدراك والشهود . يعني صاحبه قد استغنى به عن طلب الدليل . فإنه إنما يطلب الدليل ليحصل له العلم بالمدلول . فإذا كان المدلول مشاهدا له - وقد أدركه بكشفه - فأي حاجة به إلى الاستدلال ؟
وهذا معنى الاستغناء عن الخبر بالعيان .
وأما قوله : وخرق الشهود حجاب العلم .
[ ص: 380 ] فيريد به : أن المعارف التي تحصل لصاحب هذه الدرجة : هي من الشهود الخارق لحجاب العلم . فإن العلم حجاب عن الشهود . ففي هذه الدرجة يرتفع الحجاب . ويفضي إلى المعلوم ، بحيث يكافح بصيرته وقلبه مكافحة .