فصل
قال : الدرجة الثالثة :
أن تبلغ في استدلالك البصيرة . وفي إرشادك الحقيقة . وفي إشارتك الغاية .
يريد أن تصل باستدلالك إلى أعلى درجات العلم . وهي البصيرة التي تكون نسبة العلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر . وهذه هي الخصيصة التي اختص بها الصحابة عن سائر الأمة . وهي أعلى درجات العلماء . قال تعالى :
قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني أي أنا وأتباعي على بصيرة .
وقيل
ومن اتبعني عطف على المرفوع بأدعو أي أنا أدعو إلى الله على بصيرة . ومن اتبعني كذلك يدعو إلى الله على بصيرة .
وعلى القولين فالآية تدل على أن أتباعه هم أهل البصائر الداعين إلى الله على بصيرة . فمن ليس منهم فليس من أتباعه على الحقيقة والموافقة . وإن كان من أتباعه على الانتساب والدعوى .
وقوله : وفي إرشادك الحقيقة
إما أن يريد : أنك إذا أرشدت غيرك تبلغ في إرشاده إلى الحقيقة ، أو تبلغ في إرشاد غيرك لك إلى الحقيقة ، ولا تقف دونها .
[ ص: 452 ] فعلى الأول : المصدر مضاف إلى الفاعل ، وعلى الثاني : إلى المفعول .
والمعنى : أنك تكون من أهل الوجود الذين إذا أشاروا لم يشيروا إلا إلى الغاية المطلوبة التي ليس وراءها مرمى .
والقوم يسمون أخبارهم عن المعارف وعن المطلوب إشارات لأن المعروف أجل من أن يفصح عنه بعبارة مطابقة ، وشأنه فوق ذلك . فالكامل من إشارته إلى الغاية . ولا يكون ذلك إلا لمن فني عن رسمه وهواه وحظه . وبقي بربه ومراده الديني الأمري وكل أحد ، فإشارته بحسب معرفته وهمته . ومعارف القوم وهمتهم تؤخذ من إشارتهم . والله المستعان .