( أما ) الأول
فالجنابة تثبت بأمور بعضها مجمع عليه ، وبعضها مختلف فيه ( أما ) المجمع عليه فنوعان أحدهما
خروج المني عن شهوة دفقا من غير إيلاج بأي سبب حصل الخروج كاللمس ، والنظر ، والاحتلام ، حتى يجب الغسل بالإجماع لقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15096الماء من الماء } ، أي : الاغتسال من المني ، ثم إنما وجب غسل جميع البدن بخروج المني ، ولم يجب بخروج البول ، والغائط ، وإنما وجب غسل الأعضاء المخصوصة لا غير لوجوه أحدها : أن قضاء الشهوة بإنزال المني استمتاع بنعمة يظهر أثرها في جميع البدن ، وهو اللذة فأمر بغسل جميع البدن شكرا لهذه النعمة ، وهذا لا يتقرر في البول ، والغائط ، والثاني أن الجنابة تأخذ جميع البدن ظاهره ، وباطنه ; لأن الوطء الذي هو سببه لا يكون إلا باستعمال لجميع ما في البدن من القوة ، حتى يضعف الإنسان بالإكثار منه ، ويقوى بالامتناع فإذا أخذت الجنابة جميع البدن الظاهر ، والباطن وجب غسل جميع البدن الظاهر ، والباطن بقدر الإمكان ، ولا كذلك الحدث فإنه لا يأخذ إلا الظاهر من الأطراف ، لأن سببه يكون بظواهر الأطراف من الأكل ، والشرب ، ولا يكونان باستعمال جميع البدن فأوجب غسل ظواهر الأطراف لا جميع البدن ، والثالث أن غسل الكل ، أو البعض وجب وسيلة إلى الصلاة التي هي خدمة الرب سبحانه ، وتعالى ، والقيام بين يديه ، وتعظيمه فيجب أن يكون المصلي على أطهر الأحوال ، وأنظفها ليكون أقرب إلى التعظيم ، وأكمل في الخدمة ، وكمال النظافة يحصل بغسل جميع البدن ، وهذا هو العزيمة في الحدث أيضا إلا أن ذلك مما يكثر وجوده فاكتفى فيه بأيسر النظافة ، وهي تنقية الأطراف التي تنكشف كثيرا ، وتقع عليها الأبصار أبدا ، وأقيم ذلك مقام غسل كل البدن دفعا للحرج ، وتيسيرا فضلا من الله ، ونعمة ، ولا حرج في الجنابة لأنها لا تكثر فبقي الأمر فيها على العزيمة ، والمرأة كالرجل في الاحتلام لما روي عن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1816أم سليم أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها مثل ما يرى الرجل فقال : صلى الله عليه وسلم إن كان منها مثل ما يكون من الرجل فلتغتسل } .
وروي أن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1817أم سليم كانت مجاورة nindex.php?page=showalam&ids=54لأم سلمة رضي الله عنها وكانت تدخل عليها فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأم سليم عندها فقالت : يا رسول الله المرأة إذا رأت أن زوجها يجامعها في المنام أتغتسل فقالت nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة لأم سليم تربت يداك يا أم سليم فضحكت النساء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت أم سليم : إن الله لا يستحي من الحق ، وإنا إن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يشكل علينا خير من أن نكون فيه على عمى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل أنت يا nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة تربت يداك يا أم سليم عليها الغسل إذا وجدت الماء } .
وذكر
ابن رستم في نوادره
إذا احتلم الرجل ولم يخرج الماء من إحليله لا غسل عليه
والمرأة إذا احتلمت ولم يخرج الماء إلى ظاهر فرجها اغتسلت ، لأن لها فرجين ، والخارج منهما له حكم الظاهر ، حتى يفترض إيصال الماء إليه في الجنابة ، والحيض فمن الجائز أن الماء إذا بلغ ذلك الموضع ، ولم يخرج ، حتى لو كان
الرجل أقلف فبلغ الماء قلفته وجب عليه الغسل ، والثاني
إيلاج الفرج في الفرج في السبيل المعتاد سواء أنزل ، أو لم ينزل لما روي أن الصحابة رضي الله عنهم لما اختلفوا في وجوب الغسل بالتقاء الختانين بعد النبي صلى الله عليه وسلم وكان
المهاجرون يوجبون الغسل
، والأنصار لا ، بعثوا
nindex.php?page=showalam&ids=110أبا موسى الأشعري إلى
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها فقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {
nindex.php?page=hadith&LINKID=63020 : إذا التقى الختانان ، وغابت الحشفة وجب الغسل أنزل ، أو لم ينزل } فعلت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم واغتسلنا فقد روت قولا ، وفعلا .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنها أنه قال في الإكسال يوجب الحد أفلا يوجب صاعا من ماء ، ولأن إدخال الفرج في الفرج المعتاد من الإنسان سبب لنزول المني عادة فيقام مقامه احتياطا ، وكذا
الإيلاج في السبيل الآخر حكمه حكم الإيلاج في السبيل المعتاد في وجوب الغسل بدون الإنزال أما على أصل
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908، ومحمد فظاهر ، لأنه يوجب الحد أفلا يوجب صاعا من ماء .
وأما على أصل
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة فإنما لم يوجب الحد احتياطا ، والاحتياط في وجوب الغسل ، ولأن الإيلاج فيه سبب لنزول المني عادة مثل الإيلاج في السبيل المعتاد ، والسبب
[ ص: 37 ] يقوم مقام المسبب خصوصا في موضع الاحتياط ، ولا غسل فيما دون الفرج بدون الإنزال ، وكذا
الإيلاج في البهائم لا يوجب الغسل ما لم ينزل ، وكذا الاحتلام ; لأن الفعل فيما دون الفرج ، وفي البهيمة ليس نظير الفعل في فرج الإنسان في السببية ، وكذا الاحتلام فيعتبر في ذلك كله حقيقة الإنزال .