( فصل ) :
ومنها
خلو الزوج عن عيب الجب ، والعنة عند عدم الرضا من الزوجة بهما عند عامة العلماء .
وقال بعضهم : عيب العنة لا يمنع لزوم النكاح ، واحتجوا بما روي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=4718أن امرأة رفاعة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالت : يا رسول الله إني كنت تحت رفاعة ، فطلقني آخر التطليقات الثلاث ، وتزوجت عبد الرحمن بن الزبير ، فوالله ما ، وجدت معه إلا مثل الهدبة ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ، ويذوق عسيلتك } .
فوجه الاستدلال أن تلك المرأة ادعت العنة على زوجها ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يثبت لها الخيار ، ولو لم يقع النكاح لازما لا ثبت ; ولأن هذا العيب لا يوجب ، فوات المستحق بالعقد بيقين ، فلا يوجب الخيار كسائر أنواع العيوب بخلاف الجب ، فإنه يفوت المستحق بالعقد بيقين .
( ولنا ) إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، فإنه روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه أنه قضى في العنين أنه يؤجل سنة ، فإن قدر عليها ، وإلا أخذت منه الصداق كاملا ، وفرق بينهما ، وعليها العدة .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه مثله ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه أنه قال : يؤجل سنة ، فإن وصل إليها ، وإلا فرق
[ ص: 323 ] بينهما ، وكان قضاؤهم بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ، ولم ينقل أنه أنكر عليهم أحد منهم ، فيكون إجماعا ; ولأن الوطء مرة واحدة مستحق على الزوج للمرأة بالعقد ، وفي إلزام العقد عند تقرر العجز عن الوصول تفويت المستحق بالعقد عليها ، وهذا ضرر بها ، وظلم في حقها ، وقد قال الله تعالى {
، ولا يظلم ربك أحدا } .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30905لا ضرر ، ولا ضرار في الإسلام } ، فيؤدي إلى التناقض ، وذلك محال ; لأن الله تعالى أوجب على الزوج الإمساك بالمعروف أو التسريج بإحسان ، بقوله تعالى عز وجل : {
فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } ومعلوم أن استيفاء النكاح عليها مع كونها محرومة الحظ من الزوج ليس من الإمساك بالمعروف في شيء ، فتعين عليه التسريح بالإحسان ، فإن سرح بنفسه ، وإلا ناب القاضي منابه في التسريح ; ولأن المهر عوض في عقد النكاح ، والعجز عن الوصول يوجب عيبا في العوض ; لأنه يمنع من تأكده بيقين لجواز أن يختصما إلى قاض لا يرى تأكد المهر بالخلوة ، فيطلقها ، ويعطيها نصف المهر ، فيتمكن في المهر عيب ، وهو عدم التأكد بيقين ، والعيب في العوض يوجب الخيار كما في البيع ، ولا حجة لهم في الحديث ; لأن تلك المقالة منها لم تكن دعوى العنة بل كانت كناية عن معنى آخر ، وهو دقة القضيب ، والاعتبار بسائر العيوب لا يصح ; لأنها لا توجب فوات المستحق بالعقد لما نذكر في تلك المسألة إن شاء الله تعالى ، وهذا يوجب ظاهرا وغالبا ; لأن العجز يتقرر بعدم الوصول في مدة السنة ظاهرا ، فيفوت المستحق بالعقد ظاهرا ، فبطل الاعتبار ، وإذا عرف هذا ، فإذا رفعت المرأة زوجها ، وادعت أنه عنين ، وطلبت الفرقة ، فإن القاضي يسأله هل وصل إليها أو لم يصل ؟ فإن أقر أنه لم يصل أجله سنة سواء كانت المرأة بكرا أو ثيبا ، وإن أنكر ، وادعى الوصول إليها ، فإن كانت المرأة ثيبا ، فالقول قوله مع يمينه أنه وصل إليها ; لأن الثيابة دليل الوصول في الجملة ، والمانع من الوصول من جهته عارض إذ الأصل هو السلامة عن العيب ، فكان الظاهر شاهدا له إلا أنه يستحلف دفعا للتهمة ، وإن قالت أنا بكر نظر إليها النساء وامرأة واحدة تجزي ; لأن البكارة باب لا يطلع عليه الرجال ، وشهادة النساء بانفرادهن في هذا الباب مقبولة للضرورة ، وتقبل فيه شهادة الواحدة كشهادة القابلة على الولادة ; ولأن الأصل حرمة النظر إلى العورة ، وهو العزيمة لقوله تعالى {
، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن } ، وحق الرخصة يصير مقضيا بالواحدة ; ولأن الأصل أن ما قبل قول النساء فيه بانفرادهن لا يشترط فيه العدد كرواية الإخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والثنتان أوثق ; لأن غلبة الظن بخبر العدد أقوى ، فإن قلن هي ثيب ، فالقول قول الزوج مع يمينه لما قلنا ، وإن قلن هي بكر ، فالقول قولها .
وذكر
القاضي في شرحه مختصر
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي أن القول قولها من غير يمين ; لأن البكارة فيها أصل ، وقد تفوت شهادتهن بشهادة الأصل ، وإذا ثبت أنه لم يصل إليها إما بإقراره أو بظهور البكارة أجله القاضي حولا ; لأنه ثبت عنته ، والعنين يؤجل سنة لإجماع الصحابة على ذلك ; ولأن عدم الوصول قبل التأجيل يحتمل أن يكون للعجز عن الوصول ، ويحتمل أن يكون لبغضه إياها مع القدرة على الوصول ، فيؤجل حتى لو كان عدم الوصول للبغض يطؤها في المدة ظاهرا ، وغالبا دفعا للعار ، والشين عن نفسه ، وإن لم يطأها حتى مضت المدة يعلم أن عدم الوصول كان للعجز .
وأما التأجيل سنة ; فلأن العجز عن الوصول يحتمل أن يكون خلقة ويحتمل أن يكون من داء أو طبيعة غالبة من الحرارة أو البرودة أو الرطوبة أو اليبوسة ، والسنة مشتملة على الفصول الأربعة ، والفصول الأربعة مشتملة على الطبائع الأربع ، فيؤجل سنة لما عسى أن يوافقه بعض فصول السنة ، فيزول المانع ، ويقدر على الوصول .
وروي عن
عبد الله بن نوفل أنه قال : يؤجل عشرة أشهر ، وهذا القول مخالف لإجماع الصحابة رضي الله عنهم ، فإنهم أجلوا العنين سنة ، وقد اختلف الناس في
عبد الله بن نوفل أنه صحابي أو تابعي ، فلا يقدح خلافه في الإجماع مع الاحتمال ; ولأن التأجيل سنة لرجاء الوصول في الفصول الأربعة ، ولا تكمل الفصول إلا في سنة تامة ، ثم
يؤجل سنة شمسية بالأيام أو قمرية بالأهلة ذكر
القاضي في شرحه مختصر
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي أن في ظاهر الرواية يؤجل سنة قمرية بالأهلة قال : وروى
الحسن عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أنه يؤجل سنة شمسية ، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=15071الكرخي عن أصحابنا أنهم قالوا يؤجل سنة شمسية ، ولم يذكر الخلاف ( وجه ) هذا القول ، وهو رواية
الحسن عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أن الفصول الأربعة لا تكمل إلا بالسنة الشمسية ; لأنها تزيد على القمرية
[ ص: 324 ] بأيام ، فيحتمل زوال العارض في المدة التي بين الشمسية ، والقمرية ، فكان التأجيل بالسنة الشمسية أولى ، ولظاهر الرواية الكتاب والسنة أما الكتاب ، فقوله تعالى {
يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } جعل الله عز وجل بفضله ، ورحمته الهلال معرفا للخلق الأجل والأوقات والمدد ومعرفا وقت الحج ; لأنه لو جعل معرفة ذلك بالأيام لاشتد حساب ذلك عليهم ، ولتعذر عليهم معرفة السنين والشهور والأيام .
وأما السنة ، فما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في الموسم .
وقال : صلى الله عليه وسلم في خطبته {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1654ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى ، وشعبان ثلاثة سرد ، وواحد فرد } ، والشهر في اللغة اسم للهلال يقال رأيت الشهر أي : رأيت الهلال ، وقيل : سمي الشهر شهرا لشهرته ، والشهرة للهلال ، فكان تأجيل الصحابة رضي الله عنهم العنين سنة ، والسنة اثنا عشر شهرا ، والشهر اسم للهلال تأجيلا للهلالية ، وهي السنة القمرية ضرورة ، وأول السنة حين يترافعان ، ولا يحسب على الزوج ما قبل ذلك لما روي أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه كتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح أن يؤجل العنين سنة من يوم يرتفع إليه لما ذكرنا أن عدم الوصول قبل التأجيل يحتمل أن يكون للعجز ، ويحتمل أن يكون لكراهته إياها مع القدرة على الوصول ، فإذا أجله الحاكم ، فالظاهر أنه لا يمتنع عن وطئها إلا لعجزه خشية العار والشين فإذا أجل سنة ، فشهر رمضان وأيام الحيض تحسب عليه ، ولا يجعل له مكانها ; لأن الصحابة رضي الله عنهم أجلوا العنين سنة واحدة مع علمهم بأن السنة لا تخلو عن شهر رمضان ، ومن زمان الحيض فلو لم يكن ذلك محسوبا من المدة ; لأجلوا زيادة على السنة .
ولو مرض الزوج في المدة مرضا لا يستطيع معه الجماع أو مرضت هي ، فإن استوعب المرض السنة كلها يستأنف له سنة أخرى ، وإن لم يستوعب ، فقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=13234ابن سماعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف أن المرض إن كان نصف شهر أو أقل احتسب عليه ، وإن كان أكثر من نصف شهر لم يحتسب عليه بهذه الأيام ، وجعل له مكانها ، وكذلك الغيبة ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13234ابن سماعة عنه رواية أخرى أنه إذا صح في السنة يوما أو يومين أو صحت هي احتسب عليه بالسنة ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13234ابن سماعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد أن المرض إذا كان أقل من شهر يحتسب عليه ، وإن كان شهرا فصاعدا لا يحتسب عليه بأيام المرض ، ويجعل له مكانها ، والأصل في هذا أن قليل المرض مما لا يمكن اعتباره ; لأن الإنسان لا يخلو عن ذلك عادة ، ويمكن اعتبار الكثير ، فجعل
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف على إحدى الروايتين ، وهي الرواية الصحيحة عنه نصف الشهر ، وما دونه قليلا ، والأكثر من النصف كثيرا استدلالا بشهر رمضان ، فإنه محسوب عليه ، ومعلوم أنه إنما يقدر على الوطء في الليالي دون النهار ، والليالي دون النهار تكون نصف شهر وكان ذلك دليلا على أن المانع إذا كان نصف شهر ، فما دونه يعتد به ، وهذا الاستدلال يوجب الاعتداد بالنصف ، فما دونه إما لا ينفي الاعتداد بما فوقه ، وإما على الرواية الأخرى ، فنقول أنه لما صح زمانا يمكن الوطء فيه ، فإذا لم يطأها ، فالتقصير جاء من قبله ، فيجعل كأنه صح جميع السنة بخلاف ما إذا مرض جميع السنة ; لأنه لم يجد زمانا يتمكن من الوطء فيه ، فتعذر الاعتداد بالسنة في حقه ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد جعل ما دون الشهر قليلا ، والشهر فصاعدا كثيرا ; لأن الشهر أدنى الآجل ، وأقصى العاجل ، فكان في حكم الكثير ، وما دونه في حكم القليل .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف : إن حجت المرأة حجة الإسلام بعد التأجيل لم يحتسب على الزوج مدة الحج ; لأنه لا يقدر على منعها من حجة الإسلام شرعا ، فلم يتمكن من الوطء فيها شرعا ، وإن حج الزوج احتسبت المدة عليه ; لأنه يقدر على أن يخرجها مع نفسه أو يؤخر الحج ; لأن جميع العمر وقته .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد : إن خاصمته ، وهو محرم يؤجل سنة بعد الإحلال ; لأنه لا يتمكن من الوطء شرعا مع الإحرام ، فتبتدأ المدة من وقت يمكنه الوطء فيه شرعا ، وهو ما بعد الإحلال ، وإن خاصمته ، وهو مظاهر ، فإن كان يقدر على الإعتاق أجل سنة من حين الخصومة إلا أنه إذا كان قادرا على الإعتاق كان قادرا على الوطء بتقديم الإعتاق كالمحدث قادر على الصلاة بتقديم الطهارة ، وإن كان لا يقدر على ذلك أجل أربعة عشر شهرا ; لأنه يحتاج إلى تقديم صوم شهرين ، ولا يمكنه الوطء فيهما ، فلا يعتد بهما من الأجل ، ثم يمكنه الوطء بعدهما ، فإن أجل سنة ، وليس بمظاهر ، ثم ظاهر في السنة لم يزد على المدة بشيء ; لأنه كان يقدر على ترك الظهار ، فلما ظاهر ، فقد منع نفسه من
[ ص: 325 ] الوطء باختياره ، فلا يجوز إسقاط حق المرأة ، وإن كانت امرأة العنين رتقاء أو قرناء ; لا يؤجل ; لأنه لا حق للمرأة في الوطء لوجود المانع من الوطء ، فلا معنى للتأجيل ، وإن كان الزوج صغيرا لا يجامع مثله ، والمرأة كبيرة ، ولم تعلم المرأة ، فطالبت بالتأجيل لا يؤجل بل ينتظر إلى أن يدرك ، فإذا أدرك يؤجل سنة ; لأنه إذا كان لا يجامع لا يفيد التأجيل ، ولأن حكم التأجيل إذا لم يصل إليها في المدة هو ثبوت خيار الفرقة ، وفرقة العنين طلاق ، والصبي لا يملك الطلاق ; ولأن للصبي زمانا يوجد منه الوطء فيه ظاهرا وغالبا ، وهو ما بعد البلوغ ، فلا يؤجل للحال ، وإن كان الزوج كبيرا مجنونا ، فوجدته عنينا قالوا : إنه لا يؤجل كذا ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15071الكرخي ; لأن التأجيل للتفريق عند عدم الدخول ، وفرقة العنين طلاق ، والمجنون لا يملك الطلاق .
وذكر
القاضي في شرحه مختصر
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي أنه ينتظر حولا ، ولا ينتظر إلى إفاقته بخلاف الصبي ; لأن الصغر مانع من الوصول ، فيستأنى إلى أن يزول الصغر ، ثم يؤجل سنة .
فأما الجنون ، فلا يمنع الوصول ; لأن المجنون يجامع ، فيؤجل للحال ، والصحيح ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=15071الكرخي أنه لا يؤجل أصلا لما ذكرنا ، وإذا مضى أجل العنين ، فسأل القاضي أن يؤجله سنة أخرى لم يفعل إلا برضا المرأة ; لأنه قد ثبت لها حق التفريق ، وفي التأجيل تأخير حقها ، فلا يجوز من غير رضاها ، ثم
إذا أجل العنين سنة ، وتمت المدة ، فإن اتفقا على أنه قد ، وصل إليها ، فهي زوجته ، ولا خيار لها ، وإن اختلفا ، وادعت المرأة أنه لم يصل إليها ، وادعى الزوج الوصول ، فإن كانت المرأة ثيبا ، فالقول قوله مع يمينه لما قلنا ، وإن كانت بكرا نظر إليها النساء ، فإن قلن هي بكر ، فالقول قولها ، وإن قلن هي ثيب ; فالقول قوله لما ذكرنا وإن وقع للنساء شك في أمرها ، فإنها تمتحن ، واختلف المشايخ في طريق الامتحان قال بعضهم : تؤمر بأن تبول على الجدار ، فإن أمكنها بأن ترمي ببولها على الجدار ، فهي بكر ، وإلا فهي ثيب .
وقال بعضهم : تمتحن ببيضة الديك ، فإن وسعت فيها ، فهي ثيب ، وإن لم تسع فيها ، فهي بكر ، وإذا ثبت أنه لم يطأها إما باعترافه ، وإما بظهور البكارة ، فإن القاضي يخيرها ، فإن الصحابة رضي الله عنهم خيروا امرأة العنين ، ولنا فيهم قدوة ، فإن شاءت اختارت الفرقة ، وإن شاءت اختارت الزوج إذا استجمعت شرائط ثبوت الخيار ، فيقع الكلام في الخيار في مواضع في بيان شرائط ثبوت الخيار ، وفي بيان حكم الخيار ، وفي بيان ما يبطله .