الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                ومنها كمال مهر المثل في إنكاح الحرة العاقلة البالغة نفسها من غير كفء بغير رضا الأولياء في قول أبي حنيفة حتى لو زوجت نفسها من كفء بأقل من مهر مثلها مقدار ما لا يتغابن فيه الناس بغير رضا الأولياء ، فللأولياء حق الاعتراض عنده ، فإما أن يبلغ الزوج إلى مهر مثلها أو يفرق بينهما ، وعند أبي يوسف ، ومحمد هذا ليس بشرط ، ويلزم النكاح بدونه حتى يثبت للأولياء حق الاعتراض ، وهاتان المسألتان أعني هذه المسألة .

                                                                                                                                والمسألة المتقدمة عليها ، وهي ما إذا زوجت نفسها من غير كفء ، وبغير رضا الأولياء لا شك أنهما يتفرعان على أصل أبي حنيفة وزفر ، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف ، ورواية الرجوع عن محمد ; لأن النكاح جائز .

                                                                                                                                وأما على أصل محمد في ظاهر الرواية عنه ، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف ، فلا يجوز هذا النكاح ، فيشكل التفريع ، فتصور المسألة فيما إذا أذن الولي لها بالتزويج ، فزوجت نفسها من غير كفء أو من كفء بأقل من مهر مثلها ، وذكر في الأصل صورة أخرى ، وهي ما إذا أكره الولي ، والمرأة على النكاح من غير كفء أو من كفء بأقل من مهر مثلها ، ثم زال الإكراه ، ففي المسألة الأولى لكل واحد منهما أعني الولي والمرأة حق الاعتراض ، وإن رضي أحدهما لا يبطل حق الآخر ، وفي المسألة الثانية لها حق الاعتراض ، فإن رضيت بالنكاح ، والمهر ، فللولي أن يفسخ في قول أبي حنيفة ، وفي قول محمد ، وأبي يوسف الأخير ليس له أن يفسخ ، وتصور المسألة على أصل الشافعي فيما إذا أمر الولي رجلا بالتزويج ، فزوجها من غير كفء برضاها أو من كفء بمهر قاصر برضاها ( وجه ) قول أبي يوسف ، ومحمد أن المهر حقها على الخلوص كالثمن في البيع ، والأجرة في الإجارة ، فكانت هي بالنقص متصرفة في خالص حقها ، فيصح ، ويلزم كما إذا أبرأت زوجها عن المهر ; ولهذا جاز الإبراء عن الثمن في باب البيع ، والبيع بثمن بخس كذا هذا ، ولأبي حنيفة أن للأولياء حقا في المهر ; لأنهم يفتخرون بغلاء المهر ، ويتعيرون ببخسه ، فيلحقهم الضرر بالبخس ، وهو ضرر التعيير ، فكان لهم دفع الضرر عن أنفسهم بالاعتراض ، ولهذا يثبت لهم حق الاعتراض بسبب عدم الكفاءة كذا هذا ; ولأنها بالبخس عن مهر مثلها أضرت بنساء قبيلتها ; لأن مهور مثلها عند تقادم العهد تعتبر بها ، فكانت بالنقص ملحقة الضرر بالقبيلة ، فكان لهم دفع هذا الضرر عن أنفسهم بالفسخ ، والله أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية