( فصل ) :
وأما حكم التدبير فنوعان نوع يرجع إلى حياة المدبر ، ونوع يرجع إلى ما بعد موته أما
الذي يرجع إلى حال حياة المدبر فهو ثبوت حق الحرية للمدبر إذا كان التدبير مطلقا ، وهذا عندنا ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لا حكم له في حال حياة المدبر رأسا ، فلا يثبت حقيقة الحرية ولا حقها ، بل حكمه ثبوت حقيقة الحرية بعد الموت مقصورا عليه .
وعلى هذا يبنى
بيع المدبر المطلق أنه لا يجوز عندنا ، وعنده جائز ، ويجوز بيع المدبر المقيد بالإجماع .
احتج
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18686دبر رجل عبده ، فاحتاج فباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانمائة درهم } وأدنى درجات فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجواز ، ولأن التدبير تعليق العتق بالشرط ، وإنه لا يمنع جواز البيع كالتعليق بسائر الشروط من دخول الدار ، وكلام زيد وغير ذلك وكالتدبير المقيد ، ولأن فيه معنى الوصية ، وذلك لا يمنع جواز البيع كما إذا أوصى بعتق عبده ثم باعه ، ولنا ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15135المدبر لا يباع ولا يوهب وهو حر من ثلث المال } ، وهذا نص في الباب ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله الأنصاري {
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المدبر } ومطلق النهي يحمل على التحريم وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وعبد الله بن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم مثل مذهبنا ، وهو قول جماعة من
التابعين مثل
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح nindex.php?page=showalam&ids=17073ومسروق nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وأبي جعفر محمد بن علي nindex.php?page=showalam&ids=16972ومحمد بن سيرين nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري والزهري nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=15959وسالم بن عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة حتى قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة لولا قول هؤلاء الأجلة ; لقلت بجواز بيع المدبر لما دل عليه من النظر ، ولنا لإثبات حق
[ ص: 121 ] الحرية ضرورة الإجماع ، ودلالة غرض المدبر ، أما ضرورة الإجماع فهي أن الحرية تثبت بعد الموت بالإجماع ، والحرية لا بد لها من سبب ولا سبب ههنا سوى الكلام السابق ، فلا يخلو إما أن يجعل سببا للحال ، وإما أن يجعل سببا بعد الشرط ، ولا سبيل إلى الثاني ; لأنه ليس من أهل مباشرة السبب فتعين أن يكون سببا عند وجوده .
فكان الكلام السابق سببا في الحال لثبوت الحرية بعد الموت ، ولسنا نعني ثبوت حق الحرية للمدبر إلا هذا ، وهذا يمنع جواز البيع ; لأن البيع إبطال السببية إذ لا تثبت الحرية عند الموت بعد البيع .
وأما دلالة الغرض فهو أن غرض المدبر من التدبير أن يسلم الحرية للمدبر عند الموت إما تقربا إلى الله عز وجل بالإعتاق ; لإعتاق رقبته من النار كما نطق به الحديث ، وإما حقا لخدمته القديمة مع بقاء منافعه على ملكه في حياته لحاجته إليها ، ولا طريق لتحصيل الغرضين إلا بجعل التدبير سببا في الحال لثبوت الحرية بعد الموت ، إذ لو ثبتت الحرية في الحال لفات غرضه في الانتفاع به ، ولو لم ينعقد شيء رأسا لفات غرضه في العتق ; لجواز أن يبيعه لشدة غضب أو غير ذلك .
فكان انعقاده سببا في الحال ، وتأخر الحرية إلى ما بعد الموت طريق إحراز الغرضين ، فثبت ذلك بدلالة الحال ، فيتقيد الكلام به إذ الكلام يتقيد بدلالة الغرض ، فإن قيل : هذا مناقض لأصلكم ; لأن التدبير تعليق العتق بالشرط ، ومن أصلكم أن التعليقات ليست أسبابا للحال وإنما تصير أسبابا عند وجود شروطها ، وعلى هذا بنيتم تعليق الطلاق والعتاق بالملك وسببه ، وههنا جعلتم التدبير سببا لثبوت الحرية للحال ، وهذا مناقضة في الأصل ، والتناقض في الأصل دليل فساد الفرع .
فالجواب : إن هذا أصلنا فيما يمكن اعتباره سببا عند وجود الشرط ، وفيما لم يرد المتكلم جعله سببا في الحال ، وفي التعليق بسائر الشروط ، وأمكن اعتباره سببا عند وجود الشرط ، وههنا لا يمكن لما بينا ، وكذا في التعليق بسائر الشروط أراد المتكلم كونه سببا عند الشرط ، وههنا أراد كونه سببا في الحال لما قلنا ، فتعين سببا للحال لثبوت الحرية في الثاني .
وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء فيحتمل أن ذلك كان تدبيرا مقيدا ، وقوله باع حكاية فعل فلا عموم له ، ويحتمل أن يكون معنى قوله باع أي أجر إذ الإجارة تسمى بيعا بلغة أهل
المدينة ، وهكذا روى
محمد بإسناده {
nindex.php?page=hadith&LINKID=3037أن النبي صلى الله عليه وسلم باع خدمة مدبر ولم يبع رقبته } ويحتمل أنه كان ذلك في ابتداء الإسلام حين كان بيع الحر مشروعا على ما روي {
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع رجلا بدينه يقال له سرق } ثم صار منسوخا بنسخ بيع الحر لثبوت حق الحرية في المدبر إلحاقا للحق بالحقيقة في باب الحرمات .