هذا إذا كان الواقع في البئر حيوانا فإن كان غيره من الأنجاس فلا يخلو إما أن يكون مستجسدا أو غير مستجسد ، فإن
كان غير مستجسد كالبول والدم والخمر ينزح ماء البئر كله ; لأن النجاسة خلصت إلى جميع الماء وإن
كان مستجسدا ، فإن كان رخوا متخلخل الأجزاء كالعذرة وخرء الدجاج ونحوهما ينزح ماء البئر كله قليلا كان أو كثيرا رطبا كان أو يابسا ; لأنه لرخاوته يتفتت عند ملاقاة الماء فتختلط أجزاؤه بأجزاء الماء فيفسده ، وإن كان صلبا نحو بعر الإبل والغنم ذكر في الأصل أن القياس أن ينجس الماء قل الواقع فيه أو كثر ، وفي الاستحسان إن كان قليلا لا ينجس وإن كان كثيرا ينجس ، ولم يفصل بين الرطب واليابس ، والصحيح والمنكسر ، واختلف المشايخ قال بعضهم : إن كان رطبا ينجس قليلا كان أو كثيرا ، وإن كان يابسا فإن كان منكسرا ينجس قل أو كثر ، وإن لم يكن منكسرا لا ينجس ما لم يكن كثيرا ، وتكلموا في الكثير قال بعضهم : أن يغطي جميع وجه الماء .
وقال بعضهم : ربع وجه الماء ، وقال بعضهم : الثلاث كثير ; لأنه ذكر في الجامع الصغير في بعرة أو بعرتين وقعتا في الماء لا يفسد الماء ، ولم يذكر الثلاث فدل على أن الثلاث كثير ، وعن
محمد بن سلمة : إن كان لا يسلم كل دلو عن بعرة أو بعرتين فهو كثير .
وقال بعضهم : الكثير ما استكثره الناظر وهو الصحيح
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14111الحسن بن زياد أنه قال : إن كان يابسا لا ينجس صحيحا كان أو منكسرا ، قليلا كان أو كثيرا ، وإن كان رطبا وهو قليل لا يمنع للضرورة وعن
أبي يوسف في
الروث اليابس إذا وقع في البئر ، ثم أخرج من ساعته لا ينجس ، والأصل في هذا أن للمشايخ في القليل من البعر اليابس الصحيح طريقتين إحداهما : أن لليابس صلابة ، فلا يختلط شيء من أجزائه بأجزاء الماء ، فهذا يقتضي أن الرطب ينجس باختلاط رطوبته بأجزاء الماء ، وكذلك ذكر في النوادر
والحاكم في الإشارات ، وكذا اليابس المنكسر لما قلنا وكذا الروث ، لأنه شيء رخو يداخله الماء ، لتخلخل أجزائه فتختلط أجزاؤه بأجزاء الماء ، ويقتضي أيضا أن الكثير من اليابس الصحيح لا ينجس ، وكذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=14111الحسن بن زياد ، والصحيح أن الكثير ينجس ; لأنها إذا كثرت تقع المماسة بينهما ; فيصطك البعض بالبعض فتتفتت أجزاؤها فتنجس .
والطريقة الثانية : أن آبار الفلوات لا حاجز لها على رءوسها ، ويأتيها الأنعام فتسقى فتبعر ، فإذا يبست الأبعار عملت فيها الريح فألقتها في البئر ، فلو حكم بفساد المياه لضاق الأمر على سكان البوادي ، وما ضاق أمره اتسع حكمه ، فعلى هذه الطريقة : الكثير منه يفسد المياه ؟ لانعدام الضرورة في الكثير ، وكذا الرطب ; لأن الريح تعمل في اليابس دون الرطب لثقله ، وإليه أشار الشيخ
أبو منصور الماتريدي وعن الشيخ
أبي بكر محمد بن الفضل أن الرطب واليابس سواء ; لتحقق الضرورة في الجملة ، فأما اليابس المنكسر فلا يفسد إذا كان قليلا ; لأن الضرورة في المنكسر أشد ، والروث إن كان في موضع يتقدر بهذه الضرورة فالجواب فيه كالجواب في البعر ، هذا في آبار الفلوات ، ( وأما ) الآبار التي في المصر فاختلف فيها المشايخ ، فمن اعتمد معنى الصلابة والرخاوة لا يفرق ; لأن ذلك المعنى لا يختلف ومن اعتبر الضرورة فرق بينهما ; لأن آبار الأمصار لها رءوس حاجزة فيقع الأمن عن الوقوع فيها ،
ولو انفصلت بيضة من دجاجة فوقعت في البئر من ساعتها اختلف المشايخ ، فيه قال
نصير بن يحيى : ينتفع بالماء ما لم يعلم أن عليها قذرا .
وقال بعضهم : إن كانت رطبة أفسدت ، وإن كانت يابسة فوقعت في الماء أو في المرقة لا تفسدهما ، وهي حلال اشتد قشرها أو لم يشتد ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إن اشتد قشرها تحل وإلا فلا ولو ، سقطت السخلة من أمها وهي مبتلة فهي نجسة ، حتى لو حملها الراعي فأصاب بللها الثوب أكثر من قدر الدرهم منع جواز الصلاة ، ولو وقعت في الماء في ذلك الوقت أفسدت الماء ، وإذا يبست فقد طهرت ، وذكر الفقيه
nindex.php?page=showalam&ids=14695أبو جعفر أن هذا الجواب موافق قولهما ، فأما في قياس قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة فالبيضة طاهرة ، رطبة كانت أو يابسة ، وكذا السخلة ; لأنها كانت في مكانها ومعدنها كما قال في
[ ص: 77 ] الإنفحة إذا خرجت بعد الموت أنها طاهرة ، جامدة كانت أو مائعة ،
وعندهما ، إن كانت مائعة فنجسة ، وإن كانت جامدة تطهر بالغسل ،
ولو وقع عظم الميتة في البئر فإن كان عظم الخنزير أفسده كيفما كان .
وأما عظم غيره فإن كان عليه لحم أو دسم يفسد الماء ; لأن النجاسة تشيع في الماء ، وإن لم يكن عليه شيء لم يفسد ; لأن العظم طاهر
بئر وجب منها نزح عشرين دلوا ، فنزح الدلو الأول وصب في بئر طاهرة ، ينزح منها عشرون دلوا ، والأصل في هذا : أن البئر الثانية تطهر بما تطهر به الأولى حين كان الدلو المصبوب فيها ، ولو صب الدلو الثاني ينزح تسعة عشر دلوا ، ولو صب الدلو العاشر - في رواية
أبي سليمان - ينزح عشرة دلاء ، وفي رواية
أبي حفص أحد عشر دلوا ، وهو الأصح ، والتوفيق بين الروايتين أن المراد من الأولى سوى المصبوب ، ومن الثانية مع المصبوب ، ولو صب الدلو الأخير ينزح دلوا واحدا ; لأن طهارة الأولى به ، ولو أخرجت الفأرة وألقيت في بئر طاهرة ، وصب فيها أيضا عشرون دلوا من ماء الأولى تطرح الفأرة وينزع عشرون دلوا ; لأن طهارة الأولى به ، فكذا الثانية .