بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

صفحة جزء
ولا بأس بأن يمسح جبهته من التراب بعد ما فرغ من صلاته قبل أن يسلم بلا خلاف ; لأنه لو قطع الصلاة في هذه الحالة لا يكره فلأن [ ص: 220 ] لا يكره إدخال فعل قليل أولى

وأما قبل الفراغ من الأركان فقد ذكر في رواية أبي سليمان فقال : قلت فإن مسح جبهته قبل أن يفرغ ؟ قال : لا ، أكرهه ، من مشايخنا من فهم من هذه اللفظة نفي الكراهة وجعل كلمة لا داخلة في قوله أكره ، وكذا ذكر في آثار أبي حنيفة وفي اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى ووجهه ما روي عن ابن عباس أن { النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح العرق عن جبينه في الصلاة } وإنما كان يفعل ذلك ; لأنه كان يؤذيه فكذا هذا ، ومنهم من قال : كلمة " لا " مقطوعة عن قوله أكره فكأنه قال : هل يمسح ؟ فقال : لا نفيا له ، ثم ابتدأ الكلام وقال : أكره له ذلك ، وهو رواية هشام في نوادره عن محمد أنه يكره فعلى هذا يحتاج إلى الفرق بين المسح قبل الفراغ من الأركان وبين المسح بعد الفراغ منها قبل السلام والفرق أن المسح قبل الفراغ لا يفيد ; لأنه يحتاج إلى أن يسجد ثانيا فيلتزق التراب بجبهته ثانيا والمسح بعد الفراغ من الأركان مفيد ولأن هذا فعل ليس من أفعال الصلاة فيكره تحصيله في وقت لا يباح فيه الخروج عن الصلاة كسائر الأفعال بخلاف المسح بعد الفراغ من الأركان ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : أربع من الجفاء وعد منها مسح الجبهة في الصلاة } ومنهم من وفق فقال : جواب محمد فيما إذا كان تركه لا يؤذيه وجواب أبي حنيفة مثله في هذه الحالة ، والحديث محمول على هذه الحالة أو على المسح باليدين ، وجواب أبي حنيفة فيما إذا كان ترك المسح يؤذيه ويشغل قلبه عن أداء الصلاة ومحمد يساعده في هذه الحالة ولهذا { كان النبي صلى الله عليه وسلم يمسح العرق عن جبينه } ; لأن الترك كان يؤذيه ويشغل قلبه وقد بينا ما يستحب للإمام أن يفعله بعد الفراغ من الصلاة وما يكره له في فصل الإمامة والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية