[ ص: 265 ] 170
ثم دخلت سنة سبعين ومائة
ذكر
ما جرى للهادي في خلع الرشيد
كان
الهادي قد جد في خلع
الرشيد والبيعة لابنه
جعفر ، وكان السبب في ذلك أن
الهادي لما عزم على خلعه ذكره لقواده ، فأجابه إليه
nindex.php?page=showalam&ids=17373يزيد بن مزيد الشيباني ،
وعبد الله بن مالك ،
وعلي بن عيسى وغيرهم .
فخلعوا
هارون ، وبايعوا
لجعفر ، ووضعوا
الشيعة ، فتكلموا في ذلك ، وتنقصوا
بالرشيد في مجلس الجماعة ، وقالوا لا نرضى به ، وصعب أمرهم ، وأمر
الهادي أن لا يسار بين يدي
هارون بالحربة ، فاجتنبه الناس ، وتركوا السلام عليه .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=17312يحيى بن خالد بن برمك يتولى أمور
الرشيد بأمر
الهادي ، فقيل
للهادي : ليس عليك من أخيك خلاف إنما يحيى يفسده ، فبعث إليه ، وتهدده ، ورماه بالكفر ، ثم إنه استدعاه ليلة ، فخاف ، وأوصى ، وتحنط ، وحضر عنده فقال له : يا
يحيى ! ما لي ولك ؟ قال : ما يكون من العبد إلى مولاه إلا طاعته ؟ ! .
قال : لم تدخل بيني وبين أخي وتفسده علي ؟ قال : من أنا حتى أدخل بينكما ؟ إنما صيرني
المهدي معه ، ثم أمرتني أنت بالقيام بأمره ، فانتهيت إلى أمرك . فسكن غضبه .
وقد كان
هارون طاب نفسا بالخلع ، فمنعه
يحيى عنه . فلما أحضره
الهادي ، وقال له في ذلك ، قال
يحيى : يا أمير المؤمنين إنك إن حملت الناس على نكث الأيمان هانت عليهم أيمانهم ، وإن تركتهم على بيعة أخيك ثم بايعت
لجعفر بعده ، كان ذلك أوكد للبيعة ، قال : صدقت ، وسكت عنه .
فعاد أولئك الذين بايعوه من القواد والشيعة ، فحملوه على معاودة
الرشيد بالخلع ، فأحضر
يحيى وحبسه ، فكتب إليه : إن عندي نصيحة ، فأحضره ، فقال له : يا أمير
[ ص: 266 ] المؤمنين أرأيت إن كان الأمر لا تبلغه ، ونسأل الله أن يقدمنا قبله ، يعني موت
الهادي ، أتظن الناس يسلمون الخلافة
لجعفر ، وهو لم يبلغ الحنث ، أو يرضون به لصلاتهم ، وحجهم ، وغزوهم ؟ ! قال : ما أظن ذلك .
قال : يا أمير المؤمنين ، أفنأمن أن يسمو إليها أكابر أهلك ، مثل فلان ، ويطمع فيها غيرهم ، فتخرج من ولد أبيك ؟ والله لو أن هذا الأمر لم يعقده
المهدي لأخيك ، لقد كان ينبغي أن تعقده أنت له ، فكيف بأن تحله عنه وقد عقده
المهدي له ولكني أرى أن تقر الأمر على حاله ، فإذا بلغ
جعفر أتيته
بالرشيد ، فخلع نفسه له وبايعه . فقبل قوله ، وقال : نبهتني على أمر لم أتنبه له . وأطلقه .
ثم إن أولئك القواد عاودوا القول فيه ، فأرسل
الهادي إلى
الرشيد في ذلك ، وضيق عليه ، فقال له
يحيى : استأذنه في الصيد ، فإذا خرجت فأبعد ، ودافع الأيام ففعل ذلك وأذن له ، فمضى إلى قصر
بني مقاتل ، فأقام [ به ] أربعين يوما ، فأنكر
الهادي أمره ، وخافه ، فكتب إليه بالعود ، فتعلل عليه ، فأظهر
الهادي شتمه ، وبسط مواليه وقواده فيه ألسنتهم ، فلما طال الأمر عاد
الرشيد .
وقد كان
الهادي في أول خلافته جلس ، وعنده نفر من قواده ، وعنده
الرشيد ، وهو ينظر إليه ، ثم قال له : يا
هارون كأني بك وأنت تحدث نفسك بتمام الرؤيا ، ودون ذلك خرط القتاد .
فقال له
هارون : يا
موسى إنك إن تجبرت وضعت ، وإن تواضعت رفعت ، وإن ظلمت قتلت ، وإن أنصفت سلمت ، وإني لأرجو أن يفضي الأمر إلي ، فأنصف من ظلمت ، وأصل من قطعت ، وأجعل أولادك أعلى من أولادي ، وأزوجهم بناتي ، وأبلغ ما يجب من حق الإمام
المهدي .
فقال له
الهادي : ذلك الظن بك يا
أبا جعفر ، ادن مني ، فدنا منه ، وقبل يده ، ثم أراد العود إلى مكانه ، فقال : لا والشيخ الجليل ، والملك النبيل ، أعني
المنصور ، لا جلست إلا معي ، فأجلسه في صدر مجلسه ، ثم أمر أن يحمل إليه ألف ألف دينار ، وأن يحمل إليه نصف الخراج .
وقال
لإبراهيم الحراني : اعرض عليه ما في الخزائن من مالنا ،
[ ص: 267 ] وما أخذ من أهل بيت اللعنة ، يعني
بني أمية ، فليأخذ منه ما أراد . ففعل ذلك . فقام عنه .
وسئل
الرشيد عن الرؤيا ، فقال : قال
المهدي : رأيت في منامي كأني دفعت إلى
موسى وإلى
هارون قضيبا ، فأورق من قضيب
موسى أعلاه ، وأورق قضيب
هارون من أوله إلى آخره ، فعبرت لهما أنهما يملكان معا ، فأما
موسى فتقل أيامه ، وأما
هارون فيبلغ آخر ما عاش خليفة ، وتكون أيامه أحسن أيام ، ودهره أحسن دهر ، فكان كذلك .
وذكر أن
الهادي خرج إلى حديثة
الموصل ، فمرض بها ، واشتد مرضه ، وانصرف ، وكتب إلى جميع عماله شرقا وغربا بالقدوم عليه ، فلما ثقل أجمع القواد الذين كانوا بايعوا
جعفرا ، وتوامروا في قتل
nindex.php?page=showalam&ids=17312يحيى بن خالد ، وقالوا : إن صار الأمر إليه قتلنا ، وعزموا على ذلك ، ثم قالوا : لعل
الهادي يفيق ، فما عذرنا عنده ؟ فأمسكوا .
ولما اشتد
مرض الهادي أرسلت الخيزران إلى
يحيى تأمره بالاستعداد ، فأحضر
يحيى كتابا فكتبوا الكتب من
الرشيد إلى العمال بوفاة
الهادي ، وأنه قد ولاهم ما كان ويكون فلما مات
الهادي سيرت الكتب .
وقيل إن
يحيى كان محبوسا . وكان
الهادي قد عزم على قتله تلك الليلة ، وإن هرثمة
nindex.php?page=showalam&ids=17336بن أعين هو [ الذي ] أقعد
الرشيد ، على ما سنذكره .
ولما مات
الهادي قالت
الخيزران : قد كنا نتحدث أنه يموت في هذه الليلة خليفة ، ويملك خليفة ، ويولد خليفة ، فمات
الهادي ، وولي
الرشيد ، وولد
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون . وكانت
الخيزران قد أخذت العلم من
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، وكان موت
الهادي بعيساباذ .