ذكر
غزو الروم
وفي هذه السنة دخل
القاسم بن الرشيد أرض
الروم في شعبان ، فأناخ على
قرة ،
[ ص: 358 ] وحصرها ، ووجه
العباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث ، فحصر
حصن سنان ، حتى جهد أهلها ، فبعث إليه
الروم ثلاثمائة وعشرين أسيرا من المسلمين على أن يرحل عنهم ، فأجابهم ورحل عنهم صلحا .
ومات
علي بن عيسى في هذه الغزاة بأرض
الروم .
وكان يملك
الروم حينئذ امرأة اسمها
ريني ، فخلعتها
الروم وملكت
نقفور ، وتزعم
الروم أنه من أولاد
جفنة بن غسان ، وكان قبل أن يملك يلي ديوان الخراج ، وماتت
ريني بعد خمسة أشهر من خلعها .
فلما استوثقت
الروم لنقفور كتب إلى
الرشيد : من
نقفور ملك
الروم إلى
هارون ملك العرب ، أما بعد ، فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ ، وأقامت نفسها مقام البيدق ، فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقا بحمل أضعافها إليها ، لكن ذلك ضعف النساء وحمقهن ، فإذا قرأت كتابي هذا فاردد ما حصل لك من أموالها ، وافتد نفسك بما تقع به المصادرة لك ، وإلا فالسيف بيننا وبينك .
[ ص: 359 ] فلما قرأ
الرشيد الكتاب استفزه الغضب ، حتى لم يقدر أحد أن ينظر إليه دون أن يخاطبه ، وتفرق جلساؤه ، فدعا بدواة وكتب على ظهر الكتاب : بسم الله الرحمن الرحيم ، من هارون أمير المؤمنين إلى
نقفور كلب
الروم ، قد قرأت كتابك يابن الكافرة ، والجواب ما تراه دون ما تسمعه ، والسلام .
ثم سار من يومه حتى نزل على
هرقلة ففتح وغنم وأحرق وخرب ، فسأله
نقفور المصالحة على خراج يحمله كل سنة ، فأجابه إلى ذلك .
فلما رجع من غزوته وصار
بالرقة نقض
نقفور العهد ، وكان البرد شديدا ، فأمن رجعة
الرشيد إليه ، فلما جاء الخبر بنقضه ما جسر أحد على إخبار
الرشيد ، خوفا على أنفسهم من العود في مثل ذلك البرد ، وإشفاقا من
الرشيد ، فاحتيل له بشاعر من أهل جنده ، وهو
أبو محمد عبد الله بن يوسف ، وقيل هو
الحجاج بن يوسف التميمي ، فقال أبياتا ، منها :
نقض الذي أعطيته نقفور فعليه دائرة البوار تدور أبشر أمير المؤمنين فإنه
فتح أتاك به الإله كبير فتح يزيد على الفتوح
يؤمنا بالنصر فيه لواؤك المنصور
في أبيات غيرها .
فلما سمع
الرشيد ذلك قال : أوقد فعل ذلك
نقفور ؟ وعلم أن الوزراء قد احتالوا له في ذلك ، فرجع إلى
بلاد الروم في ( أشد زمان وأعظم كلفة ، حتى بلغ بلادهم ) ، فأقام بها حتى شفى واشتفى وبلغ ما أراد .
[ ص: 360 ] وقيل : كان فعل
نقفور وهذه الأبيات سببا لسير
الرشيد وفتح
هرقلة ، على ما نذكره ، سنة تسعين ومائة ، إن شاء الله - تعالى - .