ذكر
أخبار أحمد بن عبد الله الخجستاني
كان
أحمد بن عبد الله الخجستاني من
خجستان ، وهي من جبال
هراة ، من أعمال
باذغيس ، وكان من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=16977محمد بن طاهر ، فلما استولى
يعقوب بن الليث على
نيسابور ، على ما ذكرناه ، ضم
أحمد إليه ، وإلى أخيه
علي بن الليث ، وكان
بنو شركب ثلاثة إخوة :
إبراهيم ،
وأبو حفص يعمر ،
وأبو طلحة منصور ،
بنو مسلم ، وكان أسنهم
إبراهيم ، وكان قد أبلى بين يدي
يعقوب عند مواقعة
الحسن بن زيد بجرجان ، فقدمه ،
[ ص: 338 ] فدخل عليه يوما
نيسابور ، وهو يوم في برد شديد ، فخلع عليه
يعقوب وبر سمور كان على كتفه ، فحسده عليه
الخجستاني فقال له : إن
يعقوب يريد الغدر بك ; لأنه لا يخلع على أحد من خاصته خلعة إلا غدر به .
فغم ذلك
إبراهيم ، وقال : كيف الحيلة في الخلاص ؟ قال : الحيلة أن نهرب جميعا إلى أخيك
يعمر ، فإني خائف عليه أيضا . وكان
يعمر قد حاصر
أبا داود الناهجوزي ببلخ ، ومعه نحو من خمسة آلاف رجل ، فاتفقا على الخروج ليلتهم ، فسبقه
إبراهيم إلى الموعد ، فانتظره ساعة فلم يره ، فسار نحو
سرخس ، وذهب
الخجستاني إلى
يعقوب فأعلمه ، فأرسله في أثره ، فلحقوه
بسرخس فقتلوه ، ومال
يعقوب إلى
الخجستاني .
فلما أراد
يعقوب العود إلى
سجستان استخلف على
نيسابور عزيز بن السري ، وولى أخاه
عمرو بن الليث هراة ، فاستخلف
عمرو عليها
طاهر بن حفص الباذغيسي .
وسار
يعقوب إلى
سجستان سنة إحدى وستين ومائتين ، وأحب
الخجستاني التخلف لما كان يحدث به نفسه ، فقال
لعلي بن الليث : إن أخويك قد اقتسما
خراسان ، وليس لك بها من يقوم بشغلك ، فيجب أن تردني إليها لأقوم بأمورك ; فاستأذن أخاه
يعقوب في ذلك ، فأذن له ، فلما حضر
أحمد يودع
يعقوب أحسن له القول ، ورده وخلع عليه ، فلما ولى عنه قال
يعقوب : أشهد أن قفاه قفا مستعص ، وأن هذا آخر عهدنا بطاعته . فلما فارقهم جمع نحوا من مائة رجل فورد بهم
بشت نيسابور ، فحارب عاملها ، وأخرجه عنها ، وجباها ، ثم خرج إلى
قومس ، فقتل
ببسطام مقتلة عظيمة ، وتغلب عليها وذلك سنة إحدى وستين ومائتين .
وسار إلى
نيسابور ، وبها
عزيز بن السري ، فهرب
عزيز ، وأخذ
أحمد أثقاله ، واستولى على
نيسابور يدعو إلى
الطاهرية ، وذلك أول سنة اثنتين وستين ومائتين ، وكتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15881رافع بن هرثمة يستقدمه ، فقدم عليه ، فجعله صاحب جيشه ، وكتب إلى
يعمر بن شركب ، وهو يحاصر
بلخ ، يستقدمه ليتفقا على تلك البلاد ، فلم يثق إليه يعمر لفعله
[ ص: 339 ] بأخيه ، وسار
يعمر إلى
هراة ، فحارب
طاهر بن حفص فقتله ، واستولى على أعمال طاهر ، فسار إليه
أحمد ، فكانت بينهما مناوشات .
وكان
أبو طلحة بن شركب غلاما من أحسن الغلمان ، وكان
عبد الله بن بلال يميل إليه ، وهو أحد قواد
يعمر ، فراسل
الخجستاني ، وأعلمه أنه يعمل ضيافة ليعمر وقواده ، ويدعوهم إليه يوما ذكره . ويأمره بالنهوض إليهم فيه ، فإنه يساعده ، وشرط عليه أن يسلم إليه
أبا طلحة ، فأجابه
أحمد إلى ذلك ، فصنع
ابن بلال طعاما ، ودعا
يعمر ، وأصحابه ، وكبسهم
أحمد ، وقبض على
يعمر ، وسيره إلى نائبه
بنيسابور فقتله ، واجتمع إلى
أبي طلحة جماعة من أصحاب أخيه فقتلوا
ابن بلال ، وساروا إلى
نيسابور وكان بها
الحسين بن طاهر أخو
nindex.php?page=showalam&ids=16977محمد بن طاهر قد وردها من
أصبهان ، طمعا أن يخطب لهم
أحمد كما كان يظهره من نفسه ، فلم يفعل ، فخطب له
أبو طلحة بها ، وأقام معه ، فسار إليه
الخجستاني من
هراة في اثني عشر ألف عنان ، فأقام على ثلاث مراحل من
نيسابور ، ووجه أخاه
العباس إليها ، فخرج إليه
أبو طلحة ، فقاتله ، فقتل
العباس وانهزم أصحابه .
فلما بلغ خبرهم إلى
أحمد عاد إلى
هراة ، ولم يعلم لأخيه خبرا ، فبذل الأموال لمن يأتيه بخبره ، فلم يقدم أحد على ذلك ، وأجابه
nindex.php?page=showalam&ids=15881رافع بن هرثمة إليه ، فاستأمن إلى
أبي طلحة فأمنه وقربه ، ووثق إليه ، وتحقق
رافع خبر
العباس ، فأنهاه إلى أخيه
أحمد ، وأنفذه
أبو طلحة إلى
بيهق ،
وبست ليجبي أموالها لنفسه ، وضم إليه قائدين ، فجبى
رافع الأموال ، وقبض على القائدين ، وسار إلى
الخجستاني ، إلى قرية من قرى
خواف ، فنزلها وبها
حلي بن يحيى الخارجي ، فنزل ناحية عنه .
فبلغ الخبر إلى
أبي طلحة ، فركب مجدا ، فوصل إليهم ليلا ، فأوقع
بحلي ، وأصحابه ، وهو يظنه
رافعا ، وهرب
رافع سالما ، وعلم
أبو طلحة بحال
حلي بعد حرب شديدة ، فكف عنه ، وأحسن إليه وإلى أصحابه .
[ ص: 340 ] ثم وجه
أبو طلحة جيشا إلى
جرجان ، وبها
ثابت بن الحسن بن زيد ، ومعه
الديلم ، وكان على جيش
أبي طلحة إسحاق الشاري ، فحاربوا
الديلم بجرجان ، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ، وأجلوهم عنها ، وذلك في رجب سنة ثلاث وستين ومائتين .
ثم عصى
إسحاق على
أبي طلحة ، فسار إليه
أبو طلحة ، واشتغل في طريقه باللهو والصيد ، فكبسه
إسحاق وقتل أصحابه ، وانهزم
أبو طلحة إلى
نيسابور ، فاستضعفه أهلها ، فأخرجوه منها ، فنزل على فرسخ عنها ، وجمع جمعا وحاربهم ، ثم افتعل كتابا عن
أهل نيسابور إلى
إسحاق ، يستقدمونه إليهم ، ويعدونه المساعدة على
أبي طلحة ، فاغتر
إسحاق بذلك ، وكتب
أبو طلحة عن
إسحاق كتابا إلى
أهل نيسابور يعدهم أنه يساعدهم على
أبي طلحة ، ويأمرهم بحفظ الدروب ، وترك مقاربة البلد إلى أن يوافيهم ، فاغتروا بذلك ، وظنوه كتابه ، ففعلوا ما أمرهم .
وسار
إسحاق مجدا ، فلما قارب
نيسابور لقيه
أبو طلحة ، فغافصه ، فطعنه
أبو طلحة ، فألقاه عن فرسه في بئر هناك ، فلم يعلم له خبر ، وانهزم أصحابه ، ودخل بعضهم إلى
نيسابور ، وضيق عليهم
أبو طلحة ، فكاتبوا
الخجستاني ، واستقدموه من
هراة ، فأتاهم في يومين وليلتين ، وورد عليهم ليلا ، ففتحوا له الأبواب ، ودخلها وسار عنها
أبو طلحة إلى
الحسن بن زيد ، فأمده بجنود ، فعاد إلى
نيسابور ، فلم يظفر بشيء ، فسار إلى
بلخ ، وحصر
أبا داود الناهجوزي ، واجتمع معه خلق كثير ، وذلك سنة خمس ، ( وقيل ست ) وستين ومائتين .
وسار
الخجستاني إلى محاربة
الحسن بن زيد لمساعدته
أبا طلحة ، فاستعان
الحسن بأهل جرجان ، فأعانوه ، فحاربهم
الخجستاني فهزمهم ، وأغار عليهم ، وجباهم أربعة آلاف ألف درهم ، وذلك في رمضان سنة خمس وستين [ ومائتين ] .
واتفق أن
يعقوب بن الليث توفي سنة خمس وستين [ ومائتين ] أيضا ، وولي مكانه أخوه
عمرو ، فعاد إلى
سجستان وقصد
هراة ، فعاد
الخجستاني من
جرجان إلى
نيسابور ، ووافاه
عمرو بن الليث ، فاقتتلا ، وانهزم
عمرو ورجع إلى
هراة ، وأقام
أحمد بنيسابور .
وكان
كيكان ، وهو يحيى بن محمد بن يحيى الذهلي ، وجماعة من المتطوعة
[ ص: 341 ] والفقهاء
بنيسابور يميلون إلى
عمرو لتولية السلطان إياه ، فرأى
الخجستاني أن يوقع بينهم ليشتغل بعضهم ببعض ، وأحضر منهم جماعة من الفقهاء القائلين بمذاهب
أهل العراق ، فأحسن إليهم ، وقربهم ، وأكرمهم ، وأظهروا الخلاف على
كيكان ، ونابذوه .
وكان
كيكان يقول بمذهب
أهل المدينة ، فكفي شرهم ، وسار إلى
هراة فحصر بها
عمرو بن الليث سنة سبع وستين [ ومائتين ] ، فلم يظفر بشيء ، فسار نحو
سجستان فحصر في طريقه رمل سي فلم يظفر بشيء منها ، فاحتال حتى استمال رجلا قطانا كانت داره إلى جانب السور ، ووعده أن ينقب من العسكر إلى داره ، ويخرج أصحابه إلى البلد ، فاستأمن رجلان من البلد من أصحاب
الخجستاني ، وذكرا الخبر لصاحبه ، فأخذ
القطان وأخربت داره ، وبطل ما كان
الخجستاني عزم عليه .
وكان
خليفة الخجستاني بنيسابور قد أساء السيرة ، وقوى العيارين وأهل الفساد ، فاجتمع الناس إلى
كيكان ، فثار على نائبه ، وأعانهم
عمرو بن الليث بجنده ، فقبضوا على
خليفة الخجستاني ، وأقام أصحاب
عمرو بنيسابور ، فبلغ الخبر إلى
أحمد ، فوافى
نيسابور ، فخرج عنها
كيكان ( وغيره ، فردهم أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12207أحمد الخجستاني ، فقتل منهم جماعة ، وغيب
كيكان ) ، فلم يظهر إلا بعد مدة ميتا ، وقد بنى عليه حائطا فمات فيه .
وأقام
أحمد بنيسابور تمام سنة سبع وستين ومائتين . ثم إن
عمرا كاتب
أبا طلحة ، وهو يحاصر
بلخ ، يستقدمه إلى
هراة ، فأتاه ، فأكرمه ، وأعطاه مالا عظيما ، ووعده وتركه
بخراسان ، وعاد إلى
سجستان ; فسار
أحمد إلى
سرخس ، وبها عامل
عمرو ، فأتاه
أبو طلحة ، فقاتله ، فانهزم
أبو طلحة ، ومر على وجهه ،
[ ص: 342 ] وسار
أحمد خلفه ، فلحقه بخلم فحاربه ، فهزمه أيضا ، وسار نحو
سجستان ، وأقام
أحمد بطخارستان .
( وكان
ناسرار ) عباس القطان قد أتى
طلحة ، فسار نحو
نيسابور ، فأعانه أهلها ، فأخذوا والدة
الخجستاني ، وما كان معها ; ( وأقام
بنيسابور ، ولحق به
أبو طلحة ، فمنعه
أهل نيسابور من دخولها ) .
واتصل الخبر
بالخجستاني ، وهو
بطايكان من
طخارستان ، فسار مجدا نحو
نيسابور .
ولما أيس
الطاهرية من
الخجستاني ، وكان
أحمد بن محمد بن طاهر بخوارزم واليا عليها ، أنفذ
أبا العباس النوفلي في خمسة آلاف رجل ليخرج
أحمد من
نيسابور ، فبلغ خبره
أحمد ، فأرسل إليه ينهاه عن سفك الدماء ، فأخذ النوفلي الرسل ، فأمر بضربهم ، وحلق لحاهم ، وأراد قتلهم ، فبينما هم يطلبون الجلادين ، والحجامين ليحلقوا لحاهم ، أتاهم الخبر بقرب جيش
أحمد منهم ، فاشتغلوا ، وتركوا الرسل ، فهربوا إلى
أحمد ، وأعلموه الخبر ، فعبأ أصحابه ، وحملوا على
النوفلي حملة رجل واحد ، فأكثروا فيهم القتل ، وقبضوا على
النوفلي ، وأحضروه عنده ، فقال له : إن الرسل لتختلف إلى بلاد الكفار ، فلا تتعرض لهم ، أفلا استحييت أن تأمر في رسلي بما أمرت ؟ فقال
النوفلي : أخطأت ; فقال : لكني سأصيب في أمرك ! ثم أمر به فقتل .
وبلغه أن
nindex.php?page=showalam&ids=12386إبراهيم بن محمد بن طلحة بمرو قد جبى أهلها في سنتين خمسة عشر خراجا ، فسار إليه في
أبيورد في يوم وليلة ، فأخذه من على فراشه ، وأقام
بمرو ، فجبى خراجها ، ثم ولاها
موسى البلخي ، ثم وافاها
الحسين بن طاهر ، فأحسن فيهم السيرة ، ووصل إليه نحو عشرين ألف ألف درهم .