ذكر
أخبار الزنج هذه السنة ودخولهم واسط
قد ذكرنا سنة اثنتين وستين ومائتين مسير
سليمان بن جامع إلى البطائح ، وما كان منه مع
أغرتمش ، فلما أوقع به كتب إلى صاحبه يستأذنه في المسير إليه ليحدث به عهدا ، ويصلح أمور منزله ، ( فأذن له في ذلك ) ، فأشار عليه
الجبائي أن يتطرق إلى عسكرتكين البخاري ، وهو ببردود ، فقبل قوله ، وسار إلى تكين ، فلما كان على فرسخ منه قال له
الجبائي : الرأي أن تقيم أنت ها هنا ، وأمضي أنا في السميريات ، وأجر القوم إليك ، فيأتونك وقد تعبوا ، فتنال منهم حاجتك .
ففعل
سليمان ذلك ، وجعل بعض أصحابه كمينا ، ومضى
الجبائي إلى تكين ،
[ ص: 351 ] فقاتله ساعة ، ثم تطارد لهم ، فتبعوه ، فأرسل
سليمان يعلمه ذلك ، وقال لأصحابه ، وهو بين يدي أصحاب تكين شبه المنهزم ، ليسمع أصحاب تكين قوله فيطمعوا فيه : غررتموني ، وأهلكتموني ، وكنت نهيتكم عن الدخول ههنا ، فأبيتم ، ولا أرانا ننجو منه .
وطمع أصحاب
تكين وجدوا في طلبه ، وجعلوا ينادون : بلبل في قفص ، فما زالوا كذلك حتى جازوا موضع الكمين ، وقاربوا عسكر
سليمان ، وقد كمن أيضا خلف جدر هناك ، فخرج
سليمان إليهم في أصحابه فقاتلهم ، وخرج
الكمين من خلفهم ، وعطف
الجبائي على من في النهر ، فاشتد القتال فانهزم أصحاب
تكين من الوجوه كلها ، وركبهم
الزنج يقتلونهم ويسلبونهم أكثر من ثلاثة فراسخ ، وعادوا عنهم .
فلما كان الليل عاد
الزنج إليهم وهم في معسكرهم ، فكبسوهم ، فقاتلهم تكين وأصحابه ، فانكشف
سليمان ، ثم عبأ أصحابه ، فأمر طائفة أن تأتيهم من جهة ذكرها لهم ، وطائفة من الماء ، وأتى هو في الباقين ، فقصدوا تكين من جهاته كلها ، فلم يقف من أصحابه أحد ، وانهزموا ، وتركوا عسكرهم ، فغنم
الزنج ما فيه ، وعادوا بالغنيمة ، واستخلف
سليمان الجبائي على عسكره ، وسار إلى صاحبه ، وكان ذلك سنة ثلاث وستين ومائتين .
فلما سار
سليمان إلى
الخبيث خرج
الجبائي بالعسكر الذي خلفه
سليمان معه إلى مازوران لطلب الميرة ، فاعترضه جعلان ، فقاتله ، فانهزم
الجبائي ، وأخذت سفنه ، وأتته الأخبار أن
منجورا ومحمد بن علي بن حبيب اليشكري قد بلغا الحجاجية ، فكتب إلى صاحبه بذلك ، فسير إليه
سليمان ، فوصل إلى طهثا مجدا ، وأظهر أنه يريد قصد جعلان ، وقدم
الجبائي ، وأمره أن يأتي جعلان ويقف بحيث يراه ولا يقاتله .
ثم سار
سليمان نحو
محمد بن حبيب مجدا ، فأوقع به وقعة عظيمة ، وغنم غنائم كثيرة ، وقتل أخا
لمحمد بن علي ، ورجع ، وكان ذلك في رجب من هذه السنة أيضا .
ثم سار في شعبان إلى قرية حسان ، وبها قائد يقال له
حسن بن خمارتكين ، فأوقع به ، فهزمه ، ونهب القرية ، وأحرقها ، وعاد .
[ ص: 352 ] ثم سار في شعبان أيضا إلى مواضع ، فنهبها ، وعاد ، ثم سار في رمضان وأظهر أنه يريد
جعلان بمازوران ، فبلغت الأخبار إلى
جعلان بذلك ، فضبط عسكره ، فتركه
سليمان وعدل إلى أبا فأوقع به وهو غار ، وغنم منه ست شذوات ، ثم أرسل
الجبائي في جماعة لينتهب ، فصادفهم
جعلان ، فأخذ سفنهم ، وغنم منهم ، فأتاه
سليمان في البر ، فهزمه ، واستنقذ سفنهم ، وغنم شيئا آخر وعاد .
ثم سار
سليمان إلى الرصافة في ذي القعدة ، فأوقع
بمطر بن جامع وهو بها ، فغنم غنائم كثيرة ، وأحرق الرصافة ، واستباحها ، وحمل أعلاما وانحدر إلى مدينة
الخبيث ، وأقام ليعيد هناك بمنزله ، فسار مطر إلى الحجاجية ، فأوقع بأهلها ، وأسر جماعة ، وكان بها قاض
لسليمان ، فأسره مطر وحمله إلى
واسط ، وسار مطر إلى قريب طهثا ورجع ، فكتب
الجبائي إلى
سليمان بذلك ، فسار نحوه ، فوافاه لليلتين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين [ ومائتين ] ، ثم صرف
جعلان ، ووافى
أحمد بن ليثويه ، فأقام بالشديدية .
ومضى
سليمان إلى (
نهر أبان ، وبه قائد من قواد
أحمد ، فأوقع به فقتله ، ثم سار
سليمان إلى )
تكين في خمس شذوات سنة أربع وستين [ ومائتين ] ، فواقعه
تكين بالشديدية .
وكان
أحمد بن ليثويه حينئذ قد سار إلى
الكوفة وجنبلاء ، فظهر
تكين على
سليمان ، وأخذ الشذوات بما فيها ، وكان بها صناديد
سليمان وقواده فقتلهم .
ثم إن
أحمد عاد إلى الشديدية ، وضبط تلك الأعمال ، حتى وافاه
محمد بن المولد ، وقد ولاه
الموفق مدينة
واسط ، فكتب
سليمان إلى
الخبيث يستمده ، فأمده بالخليل بن أبان في زهاء ألف وخمسمائة فارس ، فلما أتاه المدد قصد إلى محاربة
محمد بن المولد ، ودخل
سليمان مدينة
واسط ، فقتل فيها خلقا كثيرا ، ونهب وأحرق ،
[ ص: 353 ] وكان بها
ابن منكجور البخاري ، فقاتله يومه إلى العصر ، ثم قتل ، وانصرف
سليمان عن
واسط إلى جنبلاء ليعيث ويخرب ، فأقام هناك تسعين ليلة ، وعسكرهم بنهر الأمير .